الجمعة، 6 ديسمبر 2013

حصاد المر


من يوم ان اعتليت اعلى منصب في المصلحة كمدير عام تغيرت حياتي واصبحت مملة نتيجة للمعاملة المختلفة من الاهل والمعارف .. كلهم اصبحوا ينظرون الي كواسطة عملاقة ربنا اكرمهم بها حتى تحل لهم كل مشاكلهم .
أصل البيت لتناول الغداء واخذ قيلولة الا واجد في انتظاري اما احدى خالاتي او عماتي وفي صحبتها بنت شابة تحمل ملفا وتريد الخالة ان تتوسط لها عندي حتى اوظفها ..
في الاول فكرت أتعامل بحسن نية واكتب توصيات على الملفات وارسل مقدمة الطلب الى شئون الموظفين .. لكن فكرت وحسبتها وجدتها ان الموضوع سيكون بحرا لا ساحل له .. واذا استسلمت لرجاء أي واحدة من الخالات او العمات او أي من الاقارب سيستقلونه باقي الناس واذا قبلت مرة واحدة فلن تستطيع ان تتوقف ..
لذلك حسمت هذه الأمور من أول يوم تم إعلاني فيه مديرا على المصلحة .. لم تشفع رجاءات امي ولا دموع التماسيح التي سكبتها الاسر امام عتبة بيتي فكنت حاسما لكل من أراد آن يتقدم لوظيفة عليه ان يتبع القنوات الرسمية فان كان مؤهلا لها سينالها ..
جمل مكرورة من نوع ( يا ولدي كل البلد ماشة كدا ) لم تثنيني ..
الا ان كان يوم زارني الوالد في بيتي بالعصر على غير العادة وفي صحبته شاب خجول مطأطئ الراس يحمل في يده ملفا اخضرا . من منظر الملف والشاب عرفت ان في الامر واسطة لوظيفة ولكن لماذا والدي وهو اول مرة يتدخل في شغلي او يتوسط لاحد ..
الى ان نطق والدي قائلا ياولدي هذا عصام بن صديقي المرحوم عمر .. وما تنسى انه والده اوصاني عليه هو واخوانه الصغار .. الحمد لله هو الان تخرج من الجامعة ويريد أن يلتحق بالوظيفة .. واكيد لن تخزلني توظفه عندك في المصلحة ..
استلمت الملف من الشاب بعد ان سلمت عليه بطبيعة الحال وهي اول خطوة ارتكبها منذ ان التحقت بهذا المنصب أي انظر في ملف شخص يريد ان يوسطني لوظيفة .. نظرت في ملف الشاب فاذا به خريج جامعة بتاهل مناسب وتقدير جيد جدا وله عدة دورات تدريبية وشئ متوقع ليس له أي خبرة لانه خريج جديد ..
اومات للوالد وقلتن انشاء الله يصير خير وامرت الشاب ان يحضر غدا الصبح في المكتب مع ملفه ويصلني في مكتبي اولا .
انا في الاول اعتبرت وصية صديق والدي تشملني ايضا فاعتبرت نفسي كاني وصي على عصام واخوته .
وبالفعل في صباح اليوم التالي وصلت الى المكتب وجدت عصام ينتظرني امام مكتبي سلمت عليه ودعوته للدخول .. وانا مفعم بمشاعر بر الولدين والعمل بوصية المرحوم صديق الوالد
اتصلت بمدير شئون الموظفين وأرسلت له عصام وطلبت منه توظيفه في الدرجة التي تتناسب مع مؤهله ..
بالتاكيد مشت الامور كاحسن ما يكون تم تعيين عصام دون تردد لانها اول مرة تحدث مني انا .. بل اصبح عصام الشخص الوحيد الذي تعين في عهدي بواسطة شخصية مني .. انا لم اعطي الامر بعدا عميقا لكن يبدو ان الامور مشت بخلاف ذلك ..
لاني يوم ما وانا مار بالقرب من المكتب الذي يعمل به عصام توقفت لصوت احدهم ينهر في احد الموظفين .. نظرت من الشباك ووجدت عصام يرفع صوته على احد الموظفين وهو رجل بعمر والده .. لم اتوقف كثيرا لاني كنت مشغول بل ربما اتاني وسواس بان عصام صاحب شخصية قوية ويرجى منه وذهبت .
ولكن بعد ذلك لفت نظري باني كثير ما لاحظت عصام يجلس اما في كافتريا المصلحة او تحت الشجر وحوله الموظفون وقوفا يضحكون لضحكه ويتملقونه .. ايضا لم اتوقف لاني اعتبرت الامر يخصهم طالما هو بعيد عن العمل .
وقاصمة الظهر في يوم ما ذهبت مبكرا للمصلحة قبل الموظفين .. وقبل ما انزل من سيارتي لاحظت للبص الذي يقل عصام مع بعض زملاؤه توقف البص امام باب المصلحة وعلى غير العادة جاء الساعي عم عبده وهو لم يكن من ركاب البص وقف حتى نزل الموظفون ونزل عصام يحمل في يده شنطة دوبلماسية لا ادري ما بها ليتناولها منه الساعي ويتحرك عصام دون ان يلحظ وجودي مطأطئ الراس ولكن هذه المرة غرورا وليس خجلا كما فعلها معي في المرة الاولى .. والساعي يحمل الشنطة ويجري خلفة والناس يحيونه وهو يرد لهم اما بابتسامه او بايماءه قصيرة من رأسه ولم يلحظ لوجودي بل بت اعتقدت ان كل الموظفين لم يلحظوا وجودي .. هذا لم يهمني لكن ما حرق دمي وجعلني اكاد ان انفجر بالغيظ كيف استقل هذا الولد توسطي له وجعل منه سلطة مطلقة وهؤلاء الرعاع مع احترامي لهم كيف تنازلوا عن كرامتهم ومكانتهم بسبب ولد في عمر أبنائهم .
دخلت مكتبي ويكاد راسي ينفجر ومازاد الطين بلة وجدت في مكتبي ملفات تعيين موظفين جدد قلبت فيها وجدتهم تم تعيينهم بتوصية من أستاذ عصام ..
رفعت سماعة التلفون واتصلت باعلي صوتي بمدير شئون الموظفين وقلت له تحضر هنا فورا .. وجاء منزعجا بل بعض الموظفين سمعوا صوتي ربداوا يتجمعوا حول المكتب ..
وعندما وصل شاهد الملفات وانا اقلب فيها وارتجف .. من هؤلاء المظفون الجدد وما دخل عصام بالتوظيف ؟؟ وقف مدير شئون الموظفين يتردد ولا يجد مبررات .. وقلت الان تعلن عن اجتماع طارئ لكا الموظفين في القاعة العامة .. وكل العاملين في المصلحة واهم شخص هو عصام نفسه سامع الان تذهب وتعلن عن هذا الاجتماع بعد اقل من ساعة ..
وفعلا ذهب مدير شئون الموظفين ومن المكبر الداخلي أعلن عن الاجتماع .
حضر الجميع الاجتماع وبعد ما تم تقديمي من قبل شئون الموظفين والكل محتار لا يدري ما الذي دعى لهذا الاجتماع .
وقلت بعد ان حمدت الله واثنيت عليه ..
اسمعوا هنا ايها الاخوة تعرفون منذ أن تم تعييني مديرا في هذه المصلحة لم اتوسط او اتدخل في تعيين احد الموظفين قط .. بل كنت رافض لهذا المبدا تماما وقلت يجب ان ينال كل شخص ما يستحقه وعبر القنوات الرسمية .
الشخص الوحيد الذي تدخلت في تعيينة هو الاخ عصام او الاستاذ عصام حسب ما تنادونه الان .. ويجب ان اوضح شيئا مهما اولا . عصام هذا لاتربطني به أي صلة سابقة لا صلة قرابة ولا حتى جيرة .. كل ما في الموضوع ان والده كان زميل والدي في العمل سابقا وتوفاه الله رحمه الله .. واتاني والدي طالبا مني كوصية من صديق عمره العم عمر ان اعين عصام عندنا هنا .. وانا خالفت مبادئي من اجل ارضاء والدي فقط ,..
لكن ما شاهدته اليوم جعلني افهم معنى قوله تعالى (وإن جاهداك علي أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون) فطاعة الولدين ليست مطلقة وخاصة اذا خالفت امر من امور الله .. وانا بتعييني لعصام ارضيت والدي ولكن يبدو اني اغضبت ربي لما شهادته من استغلال سئ للنفوذ والسلطة ..
ياعصام انا عامل في هذه المصلحة لمدة عشرين عاما لم يحدث ان تركت ساعي يحمل الحقيبة بدلا عني وهي لو كانت ثقيلة من الاولى تركها بدل تحميلها للآخرين ,,,
واليوم انا مجتمع بكم لتصحيح خطأي في اغضاب الخالق .. والسيد مدير شئون الموظفين اريدك الان تعد خطاب فصل الحين للأستاذ عصام عمر تحت بند انه لم ينجح في الفترة التجريبية .. وكما تعد خطاب خصم راتب خمسة أيام منك أنت شخصيا لانك تنازلت عن سلطاتك وصلاحياتك لموظف جديد دون أي وجه حق .. وكل الموظفين الذي تقدموا واستوصى بهم عصام يخاطبوا بان طلباتهم قد رفضت وعليهم ان يتقدموا بالصورة الرسمية ..
بعد ما انتهيت من الخطاب صدرت صفقات متقطعة من الموظفين بعضهم متردد غير مصدق اما انا فاستعجلت مدير شئون الموظفين في احضار خطاب الفصل ووقعته ورفعته للموظفين الذي ارتاحوا لهذا القرار الحاسم واستلم عصام خطابه .. وخرج مطأطئ الراس أيضا لكن هذه المرة ذليلا كسيرا .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق