الثلاثاء، 11 مارس 2014

يحي العدل

في المرحلة الابتدائية في الصف الثاني بمدرسة كسلا الميرغنية الشرقية كان استاذ التربية الاسلامية مرعب جدا ومتمزمت لابعد حد .. يعتقد ان اي ضحك او عبث في حصة الدين ربما يحتاج لعقوبة حدية .ويدخل الفصل دوما وفي معيته سوط طويل من جلد البقر ذاك الذي يعرف بسوط العنج . لذلك كنا حريصين على الحفظ بل قل كتم الانفاس في حصته .. يوم ما قرر أن يعلمنا الصلاة .. تجربة عملية وأخذنا الى حوش المدرسة وفرشت البروش وكونا ثلاثة صفوف .. كان موقعي في الوسط أي في الصف الثاني .. وامنا الاستاذ بعد أن اقام الصلاة ..أديناها بكل حرص وكتمان بل كنا نرتجف حتى لايصدر من أحدنا أي صوت .. بعد ان سلم الاستاذ وسلمنا بعده حمدنا الله كثيرا على انها ( جات سليمة ) ..
لكن دون أي مقدمات او مناسبة أحد الزملاء في الصف الاول رفع يده وقال ( يا استاذ يا استاذ ..دا ضحك ) ملتفتا الى الخلف و( دا) اسم اشارة سوداني .. أختص به هذا الزميل في ذاك الموقف شخصي الضعيف وكذلك المرعوب ( نحن ما صدقنا خلصنا ).. انا طبعا تبكمت وحسيت كأني جهاز كهربائي ضربت كل ( فيوزاته)كل الذي فعلته رفعت رأسي لاشاهد رد فعل الاستاذ .. والذي بدأ وجهه يتغير وعيونه تحمر . حمل سوط العنج و توجه نحونا .. انا أعلنت حالة الطواري في جسدي ودفنت رأسي وكل المناطق التي أعتقدت انها حساسة بين ركبتي .. واستسلمت للمصير المحتوم .. ولكن المفاجأة سمعت صوت السوط يهوي على جسد ما وتعقبه صرخات رفعت رأسي لافهم الحاصل .. وجدت الاستاذ يحاصر غاوي الفتن هذا ما ظهر منها وما بطن .. ويلسعه بالصوت وبالسوط .. ضربا وتوبيخا وجمل من نوع ( أنت البخليك تتلفت في الصلاة شنو ؟)
هذه أول جرعة عدل تلقيتها في حياتي لاني لم اتعرض لظلم قبلها . ولا زلت استحلب طعمها حتى الآن و أمتن بها لهذا الاستاذ رغم مرور زمن طويل على تلك الحادثة ..


الاثنين، 10 مارس 2014

فلسفة مكوجي

واحدة من تداعيات الغربة ومن طرقنا لمعالجتها .. وهي ان شققنا ضيقة ومهما وسعت فهي لن تسع لشخص غريب على العائلة كالشغالة مثلا .. ومع ضرورة وجودها لتراكم الاعباء المنزلية على راعيته فتضطر الاسر السودانية للاستعانة بعمالة مؤقته .. بمعنى عامل يؤدي المهام ولا يشاطرك السكن ( الاصلا مشطور) .. واحد من هؤلاء هو المكوجي وفي الغالب اما هندي او بنقالي او فلبيني .. يأتي مرة في الاسبوع وفي وقت معين لمدة ساعتين ولانه سيحتل الصالون ووصلة التلفزيون فعليك انت رب المنزل ان تترك له الدار وتذهب الى حكايات .. اي تبحث لك عن جبل يعصمك من ثرثرته .. لانك لو جلست قربه قلت تقرأ في جريده قربه سيهراك بالاسئلة الفضولية التي هي من نوع ( بابا انت فين في سودان ؟ ) كأنه يعرف السودان حارة حارة وزنقه زنقة .. لكن السؤال نفسه فخ سيجرك الى تحقيق لأنك لو قلت كسلا او مدني مثلا وهو من السودان لايعرف سوى الخرطوم .. ويبدا يسالك عن بعد بلدك عن الخرطوم .. ومن ثم يقدم لك نفسه على انه يرغب في الاغتراب للسودان لانه سمع انه هنالك بترول ومافي كفيل .. وانه عنده اولاد عمه مغتربين في السودان .. وانه هو ما عنده مانع ان تكون انت كفيله في غربته الجديدة او احد أخوانك اذا طبقت الدولة نظام الكفيل ... باختصار انا يوم المكوجي وطنت نفسي الا احضر البيت الا بعد ان ينقضي وينصرف ..
كل المكوجية وهم من شرق اسيا متفقين في الطباع والفضول كأنهم خريجي مدرسة واحدة عدا واحدا اسمه حنيس او حنيف وهو عمل معنا سنتين والى ان غادرنا من يومين نحن لم نتأكد هل اسمه الاول أم الثاني .. لكن ما يميز حنيس وهو اولا قليل الكلام جدا بل يكاد لا يتكلم الا ليسال عن غرض يخص شغله كجك الماء او البطانية .. والاغرب انه حنيس يقدس عمله جدا بدليل انه يمتلك كل ادوات انتاجه كالمكواة مثلا وهي ماركة معينة اعتقد انها من تيفال .. وكذلك وصلة الكهرباء وله شنطة خاصة بأدواته .. وحنيس لا يستخدم الا ماء الصحة الغالية .. فهي لان مكواته تعمل بالبخار وتحتاج لتعبئتها بالماء فهو يعتقد انه ماء الحنفية بها املاح وتسبب فشلا كلويا لمكواته .لذلك يصر على تعبئتها من ماء القارورة النقية الغالية التي لترها بريال في حين لتر البنزين أقل من نصف ريال.
بعد يومين فجأه هل علينا حنيس و فاجأنا بأنه انتقل من سكنه الى مكان ابعد ولا يستطيع ان يحضر لنا اي انه استقال من عمله معنا .. بالطبع تأثرنا وحاولنا معه نقاشا ان نصل لحلولدون جدوى .. وقال انه كان يحضر لنا بدراجته الهوائية والحين المشوار اصبح بعيدا جدا عن سكنه الجديد .. وتحاورنا معه كثيرا بحثا عن شخص بديل من طرفه يكون ذو ثقة وبخبرته وحنكته لكن قال لا يعرف احدا ... بعد ساعتين اتصل علينا حنيس بأنه وجد الحل مقدما اقتراحا قائلا ( بابا مافي مشكلة انا في دور شقة ثانية لانت هنا قريب )
بمعنى انه حنيس مشكورا تطوع ان يبحث لنا عن شقة قرب سكنه الجديد تكون لنا عيدا وبمعنى آخر ( ظز في المدارس وفي الشغل وفي الجيران وفي حينا الحالي بأن نرحل قربه ونضمن كيه)
حقيقة انا عجبتني فلسفته وهي في ان نتختزل كل مشاكلنا وهمومنا في همه هو فقط وهو كي الملابس ونقدمها على كل اولوياتنا ... وكيه للمابينا وايضا الراجينا ..

كوبل بيج

في سوق الخرفان لاول مرة تحس ان الخرفان اكثر من البشر بكثير .. غير قليل من اناس نظاف جاؤوا يتجولون بصحبة اطفالهم ..
تقف سيارة شبح امام الباعة وينزل زجاج مظلل وتطل حسناء بعد ان تنزل نظارتها السوداء في خدودها بيد واحدة وتؤشر بالثانية ناحية الخراف .. يا عمو بكم الخروف البيج دا.؟
البائع ما صدق ان احد يسال عن بضاعته المسجاة دحرا من الزمان ويرد على الطالبة.
- ياتو فيهن دا؟
-
لا البيج 
-
ياتو فيهن دا ؟
-
اقول ليك البيج 
-
نان خرفانا كلهن بيجات انت عايزه ياتو فيهن ؟
-
كيف تقول كلهم بيج دا ما اسود ودا ما بني ودا ابيض؟
-
لكن صدقيني برضهن بيجات نحن اصلا الخروف اما اتاكدنا منه بيج ما بنرفعوا من بكانه ..
-
بيج كيف انت عارف بيج معناها شنو؟
-
بيج ما معناها سمين مبجبج كدي
-
لا يا عمو بيج دا لون من الالوان بعدين السمين ما بيقولوا مبجبج بيقولوا مبغبغ
-
نحن عرفنا شنو بكلامكم المبجبج دا حسع جنس جيمك المعطشة دي في العربي في ؟؟
-
ها ها ها ها ياااااااااي ياعمو انت كمان بتعرف الجيم المعطشة

-
هو العطش دا في زول بعرفو بلانا اخير انتو بتعطشوا الجيم بس
-
وانتو بتعطشو شنو كمان ؟
-
نحن بنعطش البقر وبنعطش الحواشات وبنعطش الخرفان ديل .ونحن ذاتنا عطشانين . علي باليمين الخرفان ديل ليهن يومين ما شارباتلهن موية ..
-
يااي شفقتني عليه يا عمو حقو كم البيج يعني الاصفر الفاتح دا
-
دا حقو اتنين مليون بالقديم والفين بالجديد
-
ارفعو سريع في الضهرية خلي نلحق نسقيه موية قبل ما يموت من العطش كمان
-
ونحن البيسقينا منو؟؟
-
قلت شنو؟
-
لا قلت تاكلوه بالعافية وينفعكم
-
القال ليك منو نحنن عايزين ناكلوا انا عايزاه يكون ( كوبل) لدولي بتاعتي في المزرعة
-
وكوبل كيفن يعني؟؟
-
كوبل يعني زوج يعني عريس للنعجة بتاعتي
-
قادر الله في ذمتك يا اخت ما عندك خدامة في المزرعة دي عايزالها كوبل كمان

وفي سوق الخراف حيث لم يطل زبونا جديدا منذ الامس حين جاءت المرفهة (الحنكوشة) واشترت خروفا او بالاصح خطبت خروفا لنعجتها العزباء ...
جلس اصحاب البهائم تحت ظل شجرة محتارين واضعين اكفهم على خدودهم وينظرون لبعض المواطنين الذين يبدوا انهم اتوا للفرجة فقط كانهم يحاولون حفظ شكل الخروف قبل ما ينسوه ..
ويدور حوار بين اصحاب الخراف ..
- انت يا حمد بس براك العيدت بلا البت 
المدلعة الاشترت منك الخروف الاغبش داك ..تاني ما شفنالنا زولا عنده نية يشتري ..
حمد : بيييييج بيج قالك اسمه بيج ما بتطوروا اصلكم ..
-
بيج ولا بيض خلو يكمل كلامه عاوز تقول شنو يا خوجلي ..؟
خوجلي : كنت عاوز اقول البت الجات دي ما عندها قرايب ولا اهل عايزينلهم خرفان يجوا ينفعونا .. والله انا قنعت تب بس عاوز واحد يتباع لي وامش اعيد مع اولادي الباقين اريتهم ما يتباعن ..
-
صحي انت ياحمد هسع جنس البت السايقة الشبح دي باقيلك خروف واحد بيكفيهم زي ديل تلاقي شيتهم ساكت بخروفين ..
حمد : القالكم منو هو عايزين ياكلوا منو .
خوجلي : ومال هم عايزنو لشنو ؟؟
سيد احمد : ما قالك بيج بيج .
حمد : هسع بيج الدخلها شنو في الموضوع .. قالتلك هي عايزها كوبل ..
خوجلي : يعني لحنتها كوبل ما ياها الشية ..يكون عندهم حفلة شية ..
حمد : والله انت تلفح ساي منو القالك كوبل يعني شية ..كوبل يعني عايزاه عريس للنعجة بتاعتها في المزرعة ..
سيد احمد : شني ؟؟؟؟ عريس؟؟ .. هسع البت الامس واقفة تفاصل معاك دي كانت كايسالها عريس لنعجتها؟ ... وهي ما عايزالها عريس لروحها ..
خوجلي : نان ان بقت هي كايسالها عريس لروحها تجي تكوسوا هنا عندكم ..تخلي ناس الجامعات والنوادي ..والناس الحلوين زيها تجيكم انتو لعراريقكم وعرقكم ..
حمد : نحن مالنا والله خوجلي دا بس ياخدلو دش و كرشة بالليفة والصابون ويلبسلو بنطلون جنز علي باليمين ما ساعل في احمد الصادق ذاتو ولا طه سليمان ..
خوجلي :اسكتو اسكتو في واحدة زيها تانية جات يارب دلها علينا جاي
حمد : هوي دي جاياني انا عديييل تكون اختها الامس موصاها علي ...
بعد ما تقف السيارة الفخمة عند مجمع الخراف يقف لها كل اصحاب البهائم تهيبا وعشما .. وتفتح السيارة المظلله بابها لتخرج منها حسناء اخرى يسبقها عطرها الذي يغير كيمياء المكان والزمان ... يعلق احد الرعاة بكلمة مألوفة تعبر عن الدهشة ( الكترااااااابة(

وتقف الحسناء لتسأل : لو سمحتوا انا امس شقيقتي اشرت ليها خروف بيز من منو فيكم ..؟؟
حمد يسبقهم متبسما : قصدك بيج دا من عندي نا ..
الحسناء : ايوا بيز ..
خوجلي : خالي بالك دا نوع تاني البيز دا .؟؟.
حمد : آزول ها اذا كان اختها بتعطش الجيم خلي بالك دي بتزرزرها ..
حمد للحسناء : انا ايوا يا اخت عايزالك واحد بيج ..زي اليل اختك ؟؟
الحسناء : لا انا ماعيزاه بيز انا عايزاه سكري ..
خوجلي : انا اخو الرجال سكري ؟ هو خروف ولا بطيخة ..؟؟
حمد : الخروف السكري دا كيفنو يا اخت .. ويعرفوه كيفن سكري ولا مالح ؟
طه متدخلا لاول مرة : يبقى تضوق لسانه ؟؟
الحسناء : لا لا لا يا اعمام انتو فاهمني غلط سكري دا لون ابيض مايل للصفرة مع لمعة كدا زمييييله ..
خوجلي : لمعة زميييله ؟؟ آزول زولتك دي لخبطتنا تب ..
حمد : لا ياخي هي قصدها لمعة جميلة ما قلنالك دا نوع بزرزر الجيم ..نشوفلها خروف ابيض وخلاص .
حمد مخاطبا الحسناء : بالحيل ياللخت طلبك موجود تعالي شوفي دا ..
الحسناء : لا لا لا ياعمو دا فيه كدرة ما محببة .. شوف لي الثاني دا ؟؟؟ ايوا دا ..ارفعوا في السيارة لو سمحت ..
بعد ان يتم رفع الخروف المختار وطبعا بدون اي مفاصلات ..
حمد اصبح خبير في هذا النوع من الزبائن : اها ياللخت الخروف دا عيزاه كوبل برضو ولا ضحية ..
الحسناء : يااي ياعمو انت بتعرف كوبل كمان ؟؟؟ طبعا كوبل لنعجتي ريري ..
خوجلي : نعجاتكم ديل ما دايراتلهن مدرب ؟؟
طه : نان عايز تدربن على شنو يا الفالح حوامت الشمس ولا مباراة الضللة علي باليمين تلاقى البيعرفنو النعجات ديل انت زاتك ما شفتو وبلا تعرفوا..
تدفع الحسناء ويقبض طه الثمن ويعلق لاصحابة ::
ديل الزبائن ولا بلاش موش يجوك ناس قريحتي راحت ديلك يقعدوا يفتحولك في خشم الخروف تقول دايرين يحشولوا ضرسه ...
حمد : ويشبكوك تني ورباع وخماس ياعمي خلينا في ناس دولي ديل تاني
البيجينا نقولوا نحن ما قعد نبيع ضحايا كوبــــــــــــــل بس ..