عم عبد السلام .... الحاج عبد السلام ...... الشيخ عبد السلام ......استاذ عبد السلام ... السيد عبد السلام . هذه الالقاب المقرونة باسم جميعها تطلق على شخص واحد وهو شخص يرغم الآخرين على اقران اسمه بلقب دون ان يلزمهم بذلك . بمعنى شخص ارغم الناس على احترامه وعمل بجد من اجل هذا الامر وعندما نخوض في تحليل شخصيته وصورته ستتيقن ان هذا الشيْ ممكن الانسان ان يعمل من اجله .
الحاج عبد السلام هاجر من شمال السودان ليستقر باحد مدن شرق السودان بحثا عن وضع حياة افضل او تمرد على رتابة الحياة في منطقته كشان كثيرين من اهل الشمال الذين انتشروا في ربوعه ونثروا خبرتهم في الزراعة والتجارة وساهموا في اعمار كثير من مدن السودان في الاتجاهات الاربعة .
الحاج عبد السلام بعد ان اكتفى من التعليم بما يمكنه من القراءه والكتابة ودع اهله ويمم وجهته شطر الشرق وهو يعلم ان قبائل شرق السودان هي قبائل رعوية لذلك خاض في باديء حياته عمله كوسيط بيع ( سمسار )في المواشي والاغنام .
وعبد السلام تخرج من خلوة شيخ القرية مكتفيا بالقليل من كل شيء حفظ وتعلم من الدين مايكفيه لاداء عبادته بصورة سليمه كما اكتفي من التعليم بالقراءه والكتابة . ولكنه كان نهما في القراءه يحب ان ان يقرأ كل ما يقع في يده من ورقه مكتوبة باللغة العربية سوى كان كتابا او جريدة سوى احتوى على مصطلحات او لم يحتوي. كما انه تميز باشياء اخرى هو الحرص على عدم الخوض في لهو الحديث والجدل بل كان يسحب نفسه من اي جدال اذا تيقن ان محدثه يريد ان يجره الى زاوية مغالطات رغما عن انه يوقن في كثير من الاحيان بقوة منطقه وحججه الدامغة .
ميزة اخرى لعبد السلام هو حرصة الذي يبالغ فيه قليلا على مظهره وهندامه فهو يحرص على ارتداء الزي السوداني الكامل في اي لحظه وهو خارج بيته . كما يحرص دائما ان تكون ملابسه نظيفة ومرتبة وناصعة البياض .
كل الصفات التي ذكرناها بالاضافة الى صفة الصدق وعدم الغلو والمبالغة في مدح المعروضات كشان اللذين يمتهنون هذه المهنة . هذه الصفات اوجدت مكانة خاصة للحاج عبد السلام في المدينة التي انتقل اليها وجعلت الآخرين يقرنون اسمه بالالقاب كما ذكرنا في المقدمه.
عم عبد السلام استمر على هذه الحال وفي كل يوم يكسب ثقة اناس جدد في الوسط الذي يعمل به من قبل تجار المواشي او من قبل العملاء من اصحاب المجازر والمطاعم . هذه المكانة جعلت الآخرين يجمعون ان مكان السيد عبد السلام هو مدير زريبة المواشي . وفعلا تنظم التجار والعملاء وجمعوا تبرعاتهم وبنوا مكتبا على مدخل الزريبة للسيد عبد السلام وخصصوا له راتبا من دخل رسوم الزريبة بالاضافة الى حقه في ممارسة مهنته من وساطه .
استمر الحال على عبد السلام واستطاع ان يبني بيتا خاصا به ويسافر ذات عام الى قريته في الشمال ويزوجونه بابنة خاله ست النفر ويعود بها الى حيث عمله وبيته في الشرق وتستمر حياته هكذا وكل يوم تزيد مكانته بزيادة زوار وعملاء الزريبة وتزيد ثروته وفقا لذلك . حتى اصبح يمتلك اكثر من بيت ودكان في السوق دون ان يفرط في منصبه مديرا للزريبة .
ست النفر امراه طيبة رافقت عبد السلام في مسيرته منذ قسوتها في البدا وتقشفت حين تقشف هو وتعففت حين اغتنى . لم تكن تظهر عليها علامات زوجة رجل ميسور الحال بل تبنت التواضع بفطرتها السليمه وليس تصنعا . مضت السنين دون ان يرزق عبد السلام وزوجته بذرية .
وفجاه مرضت ست النفر وبذل عبد السلام مايسعه من اموال ومساعي لانقاذ حياتها ولكن لم تكن هنالك وسيله لدرأ الاجل المحتوم . بكاها في صمت وبحرقه شديده . عاد وحيدا حزينا ولكنه حزن مكتوم كعادته كشخص كتوم لا يحبذ نقل همه ومآسيه الى الآخرين . ورغما ان عبد السلام كان شخص له قدرة على كتم انطباعاته فهو هو اذا كان متجهما او مبتهجا و محبورا . لذلك الناس لم يستطيعوا ان يلتمسوا منه قدر حزنه الدفين حتى يسلوه عنه . وكل الذي استطاع فعله اصدقاؤه هو دعوته الى الزواج وكثيرا ماعرضوا عليه بناتهم . فهو كان يعتبر مكسبا ونسبه يشرف طالما ظل الشخص راس ماله اخلاق وامانة.
في عيد من الاعياد قرر عبد السلام الذهاب الى قريته في الشمال لحضور العيد عساه يجد في القريه ما يطرد همه ويغسل غمه . وفي يوم من الايام وهو جالس امام منزل والده على كرسي وتجلس على الارض امامه امه تحدثه وتؤنسه وتحاول ان تسري عنه اذا تمر بنت شابه لم تبلغ العشرين بعد وتسلم عليهم وتنطق اسمه . وينظر اليها عبد السلام ويشعر كانه اصيب بصقعة كهربائية ويتسمر ناظرا الى وجهها البريْ البهي وتمضي الفتاه في استحياء الى حال سبيلها لكن دون ان تقادر صورتها زهن عبد السلام . وتلحظ امه التغير الذي طرا على ولدها وتسر هي في نفسها وتجاوب سؤاله المكتوم الذي يابى حرفه ان يخرج من فمه . ...ماعرفتها يا عبودي دي ما ابتسام بنت عثمان الاعرج ... يتمتم هو ماشاء الله كبرت ... الام مكمله جملته ...,واحلوت... كان عاجباك نخطبها ليك
عبد السلام متمتا ايضا: لكن بتقبل بي انا كبير عليها ... دي لمن ولدوها انا كنت متزوج .... الام ... هي هي مره وانت راجل ( مفهوم الزواج في القرى هو رجل وامراه لا مكان للعمر او خلافه) عبد السلام هاذا راسه بالايجاب .
وتجري الحاجة نفيس الى داخل البيت مناديه بنتها اجري ياسناء تعالي بسرعه ... شنو يا يمه شحتفتي روحنا .... اخوك وافق على العرس اجري اسالي لينا ابتسام صاحبتك رايها شنو في عبودي ولا هي مرتبطة .. تلفح سناء طرحتها وتسابق الريح وتتمنى ان تطير لنقل هذه البشرى ... هي وامها يعتقدون ان موافقة عبد السلام على الزواج مره اخرى هو يعني عودته للحياه مجددا بعد حزنه العميق على زوجته الاولى ... تلحظ ابتسام الحبور على وجه سناء وتقرا الطلب في عينيها يبدوا انها تهيات لهذه اللحظة من نظرات عبدالسلام لها لكنها لم تكن تعتقد ان الامر سيتم بهذه السرعه ...ويخضن في الحديث بشكل روتيني رغما انه اصبح امتحانا مكشوفا واجوبته معلنة دون النطق بها .... شوفوا امي وابوي انا ماعندي مانع .... انت قلتي لي هو شغال شنو .... اقوليك مدير عام زريبة المواشي ... يازولة موافقة ...
تطير سناء بالبشرى الى امها واخيها . اياما ويعم القرية فرح جديد فرح العيد وفرحهم بعودة عبد السلام الشخص المحبوب الى الحياة من جديد ...
يفرح عبد السلام بعروسته الجديدة ايما فرح ... فرح انتشله من غمه عاد معها الى الشرق لتبدا الاحتفالات معه من جديد ... تفرح ابتسام ايضا .
الحفاوة التي قوبلت بها ابتسام في مدينة زوجها حيث مكان عمله والهدايا التي تلقتها من اساور ذهبية وعقود وملابس . كل هذا الانبهار ولد نوع من الدهشة سارت كل يوم تتفجر في ذهنها بالوان ذاهيه تحاكي لعب الاطفال التي تهدى في الاعياد . مما زاد اعجابها بزوجها وتعلقها بها ويقينها ان اهلها واهله لا يعرفون المكان الذي هو فيه . هي لاتعلم ان كل هذه الحفاوة والهدايا هي دين في رقاب الناس على زوجها عبد السلام الذي شارك جميع اصدقائه في افراحهم وافراح ابنائهم وساهم بامواله .
استمر الحال على هذا الوضع واصبح لابتسام صديقات من الجيران . ولان بيتها في ارقى احياء المدينة اصبح الوسط الذي تعيش فيه ابتسام متكون من زوجات اما تجار كبار او زوجات اصحاب مناصب . لكن ايمان ابتسام بزوجها كان اكبر من كل هؤلاء اصبحت تعتقد انه لا احد ارفع مقاما من عبد السلام . بل اصبحت تعتقد ان عبد السلام بمقدوره حل مشاكل جميع الناس . اذا سمعت جارتها تشكو ان ولدها مدرسته بعيدة من البيت ومصاريف المواصلات مكلفة اجابت . نكلم عبد السلام ينقلو ليك المدرسة جنب البيت . اذا شكت احدهم من تكاليف عملية زوجها اجابت اكلم عبد السلام يعملوها ليه في المستشفى العسكري او الشرطة بتكاليف اقل . وفعلا كانت تنقل هذه الهموم الى عبد السلام ورغما ان هذه الطلبات كانت فوق طاقته وخارج نطاق سلطته والتي لم تتجاوز زريبة المواشي حتى الآن الا انه لم يكن يحرجها . بل كان يبتسم في صمت . وهي تظن قبوله بالمهمه . وذا حل الامر بطريقة ما ظنت ان عبد السلام هو من قام بحل المشكلة .
هذه الطريقة اثارت امتعاض وغيظ الجارات .وكن يهمسن سرا ( عبد السلام دخله شنو ... الجاب عبد السلام شنو ) الى ان جاء يوم .
دخلت على ابتسام وجاراتها جارتهم بثينة في وقت العصر وهن في جلسة شرب القهوة العادية وهي منفعلة ويبدو عليها الغضب . مالك يابثينة غاضبة ... تسال احداهن ..تجيب بتي ابتهال جابت خمس وثمانين وماعايزين يقبلوها في كلية الطب جامعة كسلا . وكالعادة تتصدى ابتسام . مافي مشكلة نكلم ليها عبد السلام ... هنا تنفجر بثينة مغتاظة... عبد السلام شنو هو قايلها غنماية عايزين يبيعوها في الزريبة ....
ابتسام .... هي هي هي ناس الجامعة ديل ماقعد يضبحو خرفان ومال بيشتروها من وين .
بثينة : وناس الجامعة منو القال ليك قعد يضبحو خرفان ديل بضبحوا التلاميذ بالامتحانات واولياء الامور بالرسوم ....
ابتسام .. والتلاميذ ديل ما قاعدين ياكلو لحمة
بثينة : لحمة شنو عليك الله طلبة الجامعة ديل خلقتهم خلقة ناس قاعدين ياكلو لحمة وحتى لو اكلو لحمة ما بياكلوها في الجامعة ...
ابتسام تحس با نها في طريقها للهزيمة وتختصر الموضوع .. يامره هوي كلمة وغطايتها عايزه اوسط ليك عبد السلام لقبول بنتك في كلية الطب ولا ماعايزه ما تفلسفي ساي ...
بثينة تشعر بالجدية في لهجة ابتسام وتبدا تلين ( ما في داعي تخسر فرصة بالحماقة ما ضرها ان تجرب) وترخي قائلة : هي يابتسام انت زعلتي ولا شنو عبد السلام قدها وقدود بس نحن نحب نكاويك . وانت وهو ما بتقصروا ...
وفي تلك اللحظة كان عبد السلام قد عاد من الفتره النهارية من عمله وقد سمع الحوار الذي دار في داره . وعرف حجم المهمة والتحدي الذي هو على عاتقه وعاتق زوجته وسال الله ان ييسر له الامر . وفعلا قبل ان يخرج تحضر اليه زوجته وتنقل اليه المهمة رسميا ... ياعبود ناس بثينة ديل بنتهم مفروض تدخل مع القبول الخاص لابناء كسلا لكن رفضوا ليها لانها ما امتحنت من كسلا .. وبكل جدية وثقة في النفس يسال .. اسمها منو ورقم جلوسها كم .. وتجري ابتسام الى بثينة مبشراها بان عبد السلام قبل المهمة . وتاتي بالمطلوب .. وعبد السلام ياخذ الورق ويذهب الى الزريبة لعمله وهو مهموما لا يدري ما الذي يمكن ان يفعله من اجل هذه البنت حتى لا تنكسر مكانته امام زوجته وحتى لا تزل هي امام صاحباتها .. وضع الورقه في جيبه وجلس امام مكتبه ..
بعد قليل تقف سياره فخمة امام الزريبة وينزل منها رجلين احدهم يبدو انه السائق والثاني يبدو انه صاحب منصب ما .. ويسال وين الحاج عبد السلام .. يجاوب نعم اتفضلو .. ويدخلوا ويجلسوا على الكراسي .. نحن جاينك بتوصية خاصة من استاذ خليفة ... مرحب مرحب اامروا ... والله انا عندي سماية وعايز لي خمس خرفان ممتازة كدة يعني طلب توصية ... عبد السلام ابشروا طلبكم موجود .... (ياعيسى شوف خمس تني من تربية السواقي ما من خرفان الخلا) مناديا احد عماله ..
عيسى .... ياحاج في خمس سيدهم قال عايز فيهم خمسمائه ... هنا يشب الزبون لا لا لا خمسماية كثير .... عبد السلام ماعليك بالسعر انت شوف الخرفان اولا مناسبة ... ماشاء الله دي ممتازه ... عبد السلام ::: انتو خاتين ميزانية كم ..... الزبون ثلاثمائة وخمسون ... عبد السلام مبروك عليكم .....
هنا يظهر رجل في الصورة ( صاحب الخراف ) لا لا لا مابتغطي معانا ..عبد السلام: يابو الخير قروشك حاتصلك كاملة انت مالك ابعد من الموضوع ....
عبد السلام قرر ان يخدم هذا الرجل من منطلق الشهامة فقط لكنه لم يعرف هو مين ولم يهتم لذلك ... بعد ان رفعت الخراف واراد الرجل الذهاب وقف واستخرج كرت تعارف من جيبه وقدمه لعبد السلام اذا به مدير الجامعة .. عبد السلام باندهاش بالله انت مدير الجامعة البروفيسر ......
مدير الجامعة باندهاش اكثر :: يعني انت بتخدم فيني كل هذه الخدمة وانت ما عارف انا مين ؟؟؟
عبد السلام ابدا واطلاقا فقط تقديرا للاخ الاستاذ الوصاك لينا ..
هنا مدير الجامعة يرجع ويجلس على الكرسي .. انت شخص شهم وانا ما راح اقادر الكرسي ده الا اقدم ليك خدمة توازي معروفك ..
وبصورة آلية يدخل عبد السلام يده في جيبه ويستخرج الورقه شارحا الموضوع ان هذه البنت ابنة احد ابناء المنطقة ومجموعها يؤهلها لدخول الطب ضمن القبول الخاص بالمنطقة الا لان والدها كان موظفا بكوستي امتحنت من هنالك ورفض قبولها الآن لانها لم تمتحن من المنطقة ..
الموضوع سهل يجيب مدير الجامعة:
ويستخرج التلفون ويتصل بمسئول القبول ويتم قبول البنت فورا .. ويعود عبد السلام مسرعا زافا البشرى الى زوجته والتي بدورها تنطلق الى بثينة وبالفعل ثاني يوم تكتمل اجراءات القبول .. وعبد السلام يكتسب مكانا جديدا بعد هذا النصر ....
و هكذا تسمتر حياة شخص مثالي يزيد خيره بحبه لزيادة الخير للآخرين,ويوفق لعمل الخير من حيث يدري ولا يدري .. وببساطة تكتمل سعادة مدير عام الزريبة وتمضي الحياة .
الحاج عبد السلام هاجر من شمال السودان ليستقر باحد مدن شرق السودان بحثا عن وضع حياة افضل او تمرد على رتابة الحياة في منطقته كشان كثيرين من اهل الشمال الذين انتشروا في ربوعه ونثروا خبرتهم في الزراعة والتجارة وساهموا في اعمار كثير من مدن السودان في الاتجاهات الاربعة .
الحاج عبد السلام بعد ان اكتفى من التعليم بما يمكنه من القراءه والكتابة ودع اهله ويمم وجهته شطر الشرق وهو يعلم ان قبائل شرق السودان هي قبائل رعوية لذلك خاض في باديء حياته عمله كوسيط بيع ( سمسار )في المواشي والاغنام .
وعبد السلام تخرج من خلوة شيخ القرية مكتفيا بالقليل من كل شيء حفظ وتعلم من الدين مايكفيه لاداء عبادته بصورة سليمه كما اكتفي من التعليم بالقراءه والكتابة . ولكنه كان نهما في القراءه يحب ان ان يقرأ كل ما يقع في يده من ورقه مكتوبة باللغة العربية سوى كان كتابا او جريدة سوى احتوى على مصطلحات او لم يحتوي. كما انه تميز باشياء اخرى هو الحرص على عدم الخوض في لهو الحديث والجدل بل كان يسحب نفسه من اي جدال اذا تيقن ان محدثه يريد ان يجره الى زاوية مغالطات رغما عن انه يوقن في كثير من الاحيان بقوة منطقه وحججه الدامغة .
ميزة اخرى لعبد السلام هو حرصة الذي يبالغ فيه قليلا على مظهره وهندامه فهو يحرص على ارتداء الزي السوداني الكامل في اي لحظه وهو خارج بيته . كما يحرص دائما ان تكون ملابسه نظيفة ومرتبة وناصعة البياض .
كل الصفات التي ذكرناها بالاضافة الى صفة الصدق وعدم الغلو والمبالغة في مدح المعروضات كشان اللذين يمتهنون هذه المهنة . هذه الصفات اوجدت مكانة خاصة للحاج عبد السلام في المدينة التي انتقل اليها وجعلت الآخرين يقرنون اسمه بالالقاب كما ذكرنا في المقدمه.
عم عبد السلام استمر على هذه الحال وفي كل يوم يكسب ثقة اناس جدد في الوسط الذي يعمل به من قبل تجار المواشي او من قبل العملاء من اصحاب المجازر والمطاعم . هذه المكانة جعلت الآخرين يجمعون ان مكان السيد عبد السلام هو مدير زريبة المواشي . وفعلا تنظم التجار والعملاء وجمعوا تبرعاتهم وبنوا مكتبا على مدخل الزريبة للسيد عبد السلام وخصصوا له راتبا من دخل رسوم الزريبة بالاضافة الى حقه في ممارسة مهنته من وساطه .
استمر الحال على عبد السلام واستطاع ان يبني بيتا خاصا به ويسافر ذات عام الى قريته في الشمال ويزوجونه بابنة خاله ست النفر ويعود بها الى حيث عمله وبيته في الشرق وتستمر حياته هكذا وكل يوم تزيد مكانته بزيادة زوار وعملاء الزريبة وتزيد ثروته وفقا لذلك . حتى اصبح يمتلك اكثر من بيت ودكان في السوق دون ان يفرط في منصبه مديرا للزريبة .
ست النفر امراه طيبة رافقت عبد السلام في مسيرته منذ قسوتها في البدا وتقشفت حين تقشف هو وتعففت حين اغتنى . لم تكن تظهر عليها علامات زوجة رجل ميسور الحال بل تبنت التواضع بفطرتها السليمه وليس تصنعا . مضت السنين دون ان يرزق عبد السلام وزوجته بذرية .
وفجاه مرضت ست النفر وبذل عبد السلام مايسعه من اموال ومساعي لانقاذ حياتها ولكن لم تكن هنالك وسيله لدرأ الاجل المحتوم . بكاها في صمت وبحرقه شديده . عاد وحيدا حزينا ولكنه حزن مكتوم كعادته كشخص كتوم لا يحبذ نقل همه ومآسيه الى الآخرين . ورغما ان عبد السلام كان شخص له قدرة على كتم انطباعاته فهو هو اذا كان متجهما او مبتهجا و محبورا . لذلك الناس لم يستطيعوا ان يلتمسوا منه قدر حزنه الدفين حتى يسلوه عنه . وكل الذي استطاع فعله اصدقاؤه هو دعوته الى الزواج وكثيرا ماعرضوا عليه بناتهم . فهو كان يعتبر مكسبا ونسبه يشرف طالما ظل الشخص راس ماله اخلاق وامانة.
في عيد من الاعياد قرر عبد السلام الذهاب الى قريته في الشمال لحضور العيد عساه يجد في القريه ما يطرد همه ويغسل غمه . وفي يوم من الايام وهو جالس امام منزل والده على كرسي وتجلس على الارض امامه امه تحدثه وتؤنسه وتحاول ان تسري عنه اذا تمر بنت شابه لم تبلغ العشرين بعد وتسلم عليهم وتنطق اسمه . وينظر اليها عبد السلام ويشعر كانه اصيب بصقعة كهربائية ويتسمر ناظرا الى وجهها البريْ البهي وتمضي الفتاه في استحياء الى حال سبيلها لكن دون ان تقادر صورتها زهن عبد السلام . وتلحظ امه التغير الذي طرا على ولدها وتسر هي في نفسها وتجاوب سؤاله المكتوم الذي يابى حرفه ان يخرج من فمه . ...ماعرفتها يا عبودي دي ما ابتسام بنت عثمان الاعرج ... يتمتم هو ماشاء الله كبرت ... الام مكمله جملته ...,واحلوت... كان عاجباك نخطبها ليك
عبد السلام متمتا ايضا: لكن بتقبل بي انا كبير عليها ... دي لمن ولدوها انا كنت متزوج .... الام ... هي هي مره وانت راجل ( مفهوم الزواج في القرى هو رجل وامراه لا مكان للعمر او خلافه) عبد السلام هاذا راسه بالايجاب .
وتجري الحاجة نفيس الى داخل البيت مناديه بنتها اجري ياسناء تعالي بسرعه ... شنو يا يمه شحتفتي روحنا .... اخوك وافق على العرس اجري اسالي لينا ابتسام صاحبتك رايها شنو في عبودي ولا هي مرتبطة .. تلفح سناء طرحتها وتسابق الريح وتتمنى ان تطير لنقل هذه البشرى ... هي وامها يعتقدون ان موافقة عبد السلام على الزواج مره اخرى هو يعني عودته للحياه مجددا بعد حزنه العميق على زوجته الاولى ... تلحظ ابتسام الحبور على وجه سناء وتقرا الطلب في عينيها يبدوا انها تهيات لهذه اللحظة من نظرات عبدالسلام لها لكنها لم تكن تعتقد ان الامر سيتم بهذه السرعه ...ويخضن في الحديث بشكل روتيني رغما انه اصبح امتحانا مكشوفا واجوبته معلنة دون النطق بها .... شوفوا امي وابوي انا ماعندي مانع .... انت قلتي لي هو شغال شنو .... اقوليك مدير عام زريبة المواشي ... يازولة موافقة ...
تطير سناء بالبشرى الى امها واخيها . اياما ويعم القرية فرح جديد فرح العيد وفرحهم بعودة عبد السلام الشخص المحبوب الى الحياة من جديد ...
يفرح عبد السلام بعروسته الجديدة ايما فرح ... فرح انتشله من غمه عاد معها الى الشرق لتبدا الاحتفالات معه من جديد ... تفرح ابتسام ايضا .
الحفاوة التي قوبلت بها ابتسام في مدينة زوجها حيث مكان عمله والهدايا التي تلقتها من اساور ذهبية وعقود وملابس . كل هذا الانبهار ولد نوع من الدهشة سارت كل يوم تتفجر في ذهنها بالوان ذاهيه تحاكي لعب الاطفال التي تهدى في الاعياد . مما زاد اعجابها بزوجها وتعلقها بها ويقينها ان اهلها واهله لا يعرفون المكان الذي هو فيه . هي لاتعلم ان كل هذه الحفاوة والهدايا هي دين في رقاب الناس على زوجها عبد السلام الذي شارك جميع اصدقائه في افراحهم وافراح ابنائهم وساهم بامواله .
استمر الحال على هذا الوضع واصبح لابتسام صديقات من الجيران . ولان بيتها في ارقى احياء المدينة اصبح الوسط الذي تعيش فيه ابتسام متكون من زوجات اما تجار كبار او زوجات اصحاب مناصب . لكن ايمان ابتسام بزوجها كان اكبر من كل هؤلاء اصبحت تعتقد انه لا احد ارفع مقاما من عبد السلام . بل اصبحت تعتقد ان عبد السلام بمقدوره حل مشاكل جميع الناس . اذا سمعت جارتها تشكو ان ولدها مدرسته بعيدة من البيت ومصاريف المواصلات مكلفة اجابت . نكلم عبد السلام ينقلو ليك المدرسة جنب البيت . اذا شكت احدهم من تكاليف عملية زوجها اجابت اكلم عبد السلام يعملوها ليه في المستشفى العسكري او الشرطة بتكاليف اقل . وفعلا كانت تنقل هذه الهموم الى عبد السلام ورغما ان هذه الطلبات كانت فوق طاقته وخارج نطاق سلطته والتي لم تتجاوز زريبة المواشي حتى الآن الا انه لم يكن يحرجها . بل كان يبتسم في صمت . وهي تظن قبوله بالمهمه . وذا حل الامر بطريقة ما ظنت ان عبد السلام هو من قام بحل المشكلة .
هذه الطريقة اثارت امتعاض وغيظ الجارات .وكن يهمسن سرا ( عبد السلام دخله شنو ... الجاب عبد السلام شنو ) الى ان جاء يوم .
دخلت على ابتسام وجاراتها جارتهم بثينة في وقت العصر وهن في جلسة شرب القهوة العادية وهي منفعلة ويبدو عليها الغضب . مالك يابثينة غاضبة ... تسال احداهن ..تجيب بتي ابتهال جابت خمس وثمانين وماعايزين يقبلوها في كلية الطب جامعة كسلا . وكالعادة تتصدى ابتسام . مافي مشكلة نكلم ليها عبد السلام ... هنا تنفجر بثينة مغتاظة... عبد السلام شنو هو قايلها غنماية عايزين يبيعوها في الزريبة ....
ابتسام .... هي هي هي ناس الجامعة ديل ماقعد يضبحو خرفان ومال بيشتروها من وين .
بثينة : وناس الجامعة منو القال ليك قعد يضبحو خرفان ديل بضبحوا التلاميذ بالامتحانات واولياء الامور بالرسوم ....
ابتسام .. والتلاميذ ديل ما قاعدين ياكلو لحمة
بثينة : لحمة شنو عليك الله طلبة الجامعة ديل خلقتهم خلقة ناس قاعدين ياكلو لحمة وحتى لو اكلو لحمة ما بياكلوها في الجامعة ...
ابتسام تحس با نها في طريقها للهزيمة وتختصر الموضوع .. يامره هوي كلمة وغطايتها عايزه اوسط ليك عبد السلام لقبول بنتك في كلية الطب ولا ماعايزه ما تفلسفي ساي ...
بثينة تشعر بالجدية في لهجة ابتسام وتبدا تلين ( ما في داعي تخسر فرصة بالحماقة ما ضرها ان تجرب) وترخي قائلة : هي يابتسام انت زعلتي ولا شنو عبد السلام قدها وقدود بس نحن نحب نكاويك . وانت وهو ما بتقصروا ...
وفي تلك اللحظة كان عبد السلام قد عاد من الفتره النهارية من عمله وقد سمع الحوار الذي دار في داره . وعرف حجم المهمة والتحدي الذي هو على عاتقه وعاتق زوجته وسال الله ان ييسر له الامر . وفعلا قبل ان يخرج تحضر اليه زوجته وتنقل اليه المهمة رسميا ... ياعبود ناس بثينة ديل بنتهم مفروض تدخل مع القبول الخاص لابناء كسلا لكن رفضوا ليها لانها ما امتحنت من كسلا .. وبكل جدية وثقة في النفس يسال .. اسمها منو ورقم جلوسها كم .. وتجري ابتسام الى بثينة مبشراها بان عبد السلام قبل المهمة . وتاتي بالمطلوب .. وعبد السلام ياخذ الورق ويذهب الى الزريبة لعمله وهو مهموما لا يدري ما الذي يمكن ان يفعله من اجل هذه البنت حتى لا تنكسر مكانته امام زوجته وحتى لا تزل هي امام صاحباتها .. وضع الورقه في جيبه وجلس امام مكتبه ..
بعد قليل تقف سياره فخمة امام الزريبة وينزل منها رجلين احدهم يبدو انه السائق والثاني يبدو انه صاحب منصب ما .. ويسال وين الحاج عبد السلام .. يجاوب نعم اتفضلو .. ويدخلوا ويجلسوا على الكراسي .. نحن جاينك بتوصية خاصة من استاذ خليفة ... مرحب مرحب اامروا ... والله انا عندي سماية وعايز لي خمس خرفان ممتازة كدة يعني طلب توصية ... عبد السلام ابشروا طلبكم موجود .... (ياعيسى شوف خمس تني من تربية السواقي ما من خرفان الخلا) مناديا احد عماله ..
عيسى .... ياحاج في خمس سيدهم قال عايز فيهم خمسمائه ... هنا يشب الزبون لا لا لا خمسماية كثير .... عبد السلام ماعليك بالسعر انت شوف الخرفان اولا مناسبة ... ماشاء الله دي ممتازه ... عبد السلام ::: انتو خاتين ميزانية كم ..... الزبون ثلاثمائة وخمسون ... عبد السلام مبروك عليكم .....
هنا يظهر رجل في الصورة ( صاحب الخراف ) لا لا لا مابتغطي معانا ..عبد السلام: يابو الخير قروشك حاتصلك كاملة انت مالك ابعد من الموضوع ....
عبد السلام قرر ان يخدم هذا الرجل من منطلق الشهامة فقط لكنه لم يعرف هو مين ولم يهتم لذلك ... بعد ان رفعت الخراف واراد الرجل الذهاب وقف واستخرج كرت تعارف من جيبه وقدمه لعبد السلام اذا به مدير الجامعة .. عبد السلام باندهاش بالله انت مدير الجامعة البروفيسر ......
مدير الجامعة باندهاش اكثر :: يعني انت بتخدم فيني كل هذه الخدمة وانت ما عارف انا مين ؟؟؟
عبد السلام ابدا واطلاقا فقط تقديرا للاخ الاستاذ الوصاك لينا ..
هنا مدير الجامعة يرجع ويجلس على الكرسي .. انت شخص شهم وانا ما راح اقادر الكرسي ده الا اقدم ليك خدمة توازي معروفك ..
وبصورة آلية يدخل عبد السلام يده في جيبه ويستخرج الورقه شارحا الموضوع ان هذه البنت ابنة احد ابناء المنطقة ومجموعها يؤهلها لدخول الطب ضمن القبول الخاص بالمنطقة الا لان والدها كان موظفا بكوستي امتحنت من هنالك ورفض قبولها الآن لانها لم تمتحن من المنطقة ..
الموضوع سهل يجيب مدير الجامعة:
ويستخرج التلفون ويتصل بمسئول القبول ويتم قبول البنت فورا .. ويعود عبد السلام مسرعا زافا البشرى الى زوجته والتي بدورها تنطلق الى بثينة وبالفعل ثاني يوم تكتمل اجراءات القبول .. وعبد السلام يكتسب مكانا جديدا بعد هذا النصر ....
و هكذا تسمتر حياة شخص مثالي يزيد خيره بحبه لزيادة الخير للآخرين,ويوفق لعمل الخير من حيث يدري ولا يدري .. وببساطة تكتمل سعادة مدير عام الزريبة وتمضي الحياة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق