السبت، 2 نوفمبر 2013

السكرطيرة

في الدور العاشر لواحد من الابراج الفخمة التي نبتت فجاه في العاصمة دون ان ينتبه لها احد لتصبح علما ومعلما من معالمها ... هنالك كان يقبع مكتب لادارة احد الشركات الضخمة يتربع على عرش ادارتها احد ابناء الريف الناجحين والعصاميين والذين شقوا طريقهم عبر التفوق العلمي ..
لكن اهله لازالوا يعمرون القرى والريف حاول نقل والده واخوانه بعد ان امتلك بيتا فخما وضخما في العاصمة .. الا انهم رفضوا آثروا حياتهم الزراعية الريفية .. قرب مزارعهم وحواشاتهم .. هم فرحهم لازال ينبع من اخضرار الزرع ونوار الثمار ... ويتضاعف يوم حصاده .. هي متعة من يالفها لا يرضى فراقها .. وكذلك لا يتحمل كوارثها فالجفاف والتصحر يقتل فيهم الفرح قبل ما يقتل الزرع ..
تزوج دكتور عماد من بنت عمه عبد الله بعد ان حاول ان يقاوم ذلك الطريق المرسوم لهما كعادة اهل الريف الا ان تهديد والده بعزله ومقاطعته لو تزوج غيرها ..الا انه رضخ حاول ان يبني طموحه خارج هذا الاطار بعد ان كان مرتبطا في فترة الجامعة بابنة احد العلماء اساتذة الجامعة والتي تحمل الجنسية البريطانية بحكم مولدها .. لكن كما ذكرنا بضغط من الاهل تزوج فاطمة بنت عمه .. انسانة ليست قبيحة ولا جاهلة انما تحمل الشهادة الثانوية وقطعت دراستها الجامعية حتى تتزوج ولم تستطع العودة بعد ان اثقلت بالاطفال وهموم البيت والزوج ..
المقدمه اعلاه دارت متبادلة في اذهان اربعة انفار يقفون تحت البرج قد زاروا العاصمة لقضاء بعض الاغراض الرسمية .. وفكروا ان يغشوا ابنهم عماد في مقر عمله بالحاح من نسيبه عبد الله والذي كان احدهم و يريد ان يتباهى لرفقاه بمكانة ولدهم دكتور عماد مدير عام الشركة ابن اخيه وزوج بنته.. ووقفوا تحت ودار الحوار التالي .
- انت ياعبد الله نعلوا ولدكم ما شغال في الداهية العالية دي ؟؟
- عبدالله : كيف وقالك كمان مكتبه في الدور العاشر
- مختار : العاشر كيفن يازول انا لا بقدر بطلع سلالم قدر دا ولا بكذب
- خضر : آزول ها سلالم شنو دا قالولك دي بيطلعو لها بشيتا اسمه الصرصار
- عمر : قصدك الانصانصير يا الطيره
- خضر : المهم عرفتو صندوق تدخل فيه وتدوس للك زرار كدا اكان ( فاااو) تلاقي روحك فوق .
ودخل الجماعة من بوابة العمارة واجهتم من المدخل مشكلة مع الحرس من الباب قبل ما يصلوا مرحلة الاسانسير ..وهم اشر احدهم ناحية الاسانسير وتوجهوا ناحيته بسرعة دون تردد ..لولا الحرس نهرهم ..
الحرس : هاي هاي ماشين وين انتو فوضه هي ..
عبد الله : مالك ياجنا هسع القال فوضة منو ؟؟
الحرس : طيب تمشوا ما تسالوا ومال نحن قاعدين هنا حارسين شنو ؟؟
خضر : يازول ها بالمختصر المفيد نحن جايين نزور ولدنا دكتور عماد ونحن جايين من الحلة ..
الحرس : عندكم معاه مواعيد ولا بس ركبت في راسكم وجيتو ماشين ..
عمر : يازول ها ميعاد شنو هو انت قايلوا دكتور باطنية دا دكتور ساي زي دكاترة الزمن دا الواحد تلقاه محامي فجاه بقى دكتور .. تمشي تقولوا بطني واجعاني يقولك انا دكتور قانون .. في زمتكم سمعتوا بزول قال عندو وجع في القانون ..
خضر : انا غايتو سمعت بوجع في القولون اها دا كمان بعالجو محامي .؟؟
الحرس اعجب جدا بحكاية دكتور القانون لانه افنجر بالضحك وكما انه دكتور عماد هو فعلا دكتور في القانون ..
الحرس : خلاص اتفضلوا اركبو الاسانسير يا شباب وتضغطوا على الزر رقم عشرة وهو راح يوصلكم .
عم خضر يبدو انه خاف من المجازفة : يا جنا ما تركب معانا توصلنا نحن ما بنعرف نسوق الشي دا .
عم عمر : ها يا بجم الشي دا ما دايرلو سواق انت بس تدوس الذر المتل البوري دا وهو يقومبك ويقيف ويفتح الباب براه ..
عم خضر : افرض اتعطل ولا بنزينه قطع ولا ..
عم عبد الله : هوي يا بجم اول الشئ دا بيشتغل بالكهربا .. وحتى لو الكهربا قطعت نان الحارس جايي يفيدك بشنو ..؟؟
واخير توكل الجمع ودخلوا الاسانسير ومنهم من مسك بطنه ومنهم من مسك راسه حتى وصل الاسانسير للدور العاشر وفتح الباب .
عم خضر : الكترااااابه هيع دا الكلام ..
عبد الله : ماقتلكم راجل بتي ما هو هين ..
عم عمر رد بغيظ : هسع الجاب سيرة راجل بتك منو ؟؟؟ الرجل عجبو الشي دا .
عبد الله : نان كان ما هو عمركم كان تحلموا تجو مكان زي دا ..
عم خضر خلاص اسكتور تعالوا نسال البنية دي من بكان ود اخوك ..
وفي صالة استقبال ضخمة تجلس بنت شابه جميلة تضع على وجهها وشعرها كل ما ابتكر الانسان من ادوات تجميل وزينة ... يقف الجمع امامها مبهورين بجمالها بعد ماصدموا باب الزجاج الذي لم يلحظوه امامها ..
اخيرا علق احدهم ..وهو عبد الله ابو النسب .. يابتي دكتور عماد مكتبه وين ؟؟
ردت البنت بكل دلال : المكتب الجمبكم دا ( طبعا بعد تعطيش الجيم والغلابة معها )
الجماعة بعد ما وقفوا واخذوا سرحة في صوتها وفي جيمها المعطشة .. تحركوا بكل بساطة نحو باب مكتب الدكتور .. لترد السكرتيرة ...
السكرتيرة: لو سمحتوا يا اعمام داخلين وين ؟؟
خضر: ما قلنالك جايين لدكتور عماد ..
السكرتيرة : طيب تدخلوا كدا من غير استئذان وبالطريقة العشوائية دي ..
عم عمر : وانت شغلتك شنو يا بت الحلال لامن تقولي لينا عشوائي شايفانا بنترتح ولا ريحتنا طاقة ..
السكرتيرة .. عفوا يا عمو ماقصدي لكن انا بصفتي سكرطيرة الدكتور يعني ..
عم خضر : شني ؟؟ قالت شنو البت دي ..؟؟
عم عبد الله : بعرفوا قالت لك هي سكر طيرة الدكتور ..
عمر خضر : يعني شنو سكر طيرة الدكتور ..
عم عمر : انا يتخيل لي هي سكر بس بتاعة الدكتور لكن الطيرة بتك المقفولة في بطن البيت ديك ما جيبه خبر ..
عم عبد الله : احترم نفسك يا عمر انا بتي طيرة ؟؟؟
عم عمر : العفو ياللخو ما قصدي لكن شنو يعني بت سمحة متل دي قاعدة حارسة الراجل ببرة وتقول لك انا سكر طيرة بتاعته .. والطير متين عملو سكر .. لحق قصب السكر كمان ..
كما ذكرنا تجمع شلة الأصدقاء أمام السكرتيرة محاولين الدخول لمقابلة الدكتور الذي اتوا فقط لزيارته باصرار من صديقهم وهو نسيبه وعمه والذي دعاهم هنا فقط بغرض التباهي بابن اخيه وصهره .. وهو سلوك مالوف وعادي يجعل الاهل يتباهون بأبنائهم الناجحين .. ولكن النقلة الحضارية والمدهشات لازالت تتوالى عليهم واحدة تلو الاخرى .. وبدءا من البنت الجميلة والتي بلكنتها الخنفاء ودلالها والذي ربما يكون مصطنع حسب متطلبات المهنة قالت لهم انها سكرطيرة .. قالبة التاء لطاء كنوع من الدلال .. ليسمعوها هم بطريقة مختلفة ككلمة من شقين اولاهما سكر والثانية طيرة ,, ودار حوارهما حول العبارة ..
نطق مختار بعد ان كان صامتا من اول المشوار : هسع يا اخوي عبد الله كان كملنا تعليمنا ما كان الواحد جابلو سكر طيرة مثلها وخطاها قدام مكتبه لكن نحن الابتدائي كله قضيناه شكل ودق في المدرسين لغاية ما طردونا من المدارس ..
عمر : عشان كدا خليكم علي ملح النعام الفي بيوتكم داك .
عم خضر : يا بت الحلال يعني بعد قطعنا المشوار دا كله وطلعنا لنا عشرة طوابق نرجع وما نقابل الدكتور ..
البنت متاثرة : ياي يا عمو طبعا مما ممكن ارجعكم انا من قبيل بحاول اوجد نص ساعة فاضية في زمن الدكتور عشان ادخلكم فيها ... لكن الاول عرفوني بنفسكم انتو مين وعاوزين الدكتور في شنو ؟
عم عمر : اسمعي يا بت الحلال .. اولا اسم الكريم منو لو سمحتي ..
السكرتيرة : اسمي دلال ..
عم خضر : انا كمان قلت كدا ..
عم عمر : قلت انت شنو كمان ..
خضر : قلت متل دي اقل حاجة يكون اسمها دلال ..
السكرتيرة تفهم مغزاه وتبدا تضحك بدلال فعلا ..
عم خضر : اسمعي يا سكر انت خلينا نقولك سكر بلاش طيرة دي .. نحن هنا معانا ابو القدح بتاع دكتور عماد .
السكرتيرة : شنو ابو القدح ؟؟ يعني السلحفاء ؟؟
عبدالله مغتاظا : يسل ركبيك سلحفاء شنو ..
مختار : لا لا لا العفو يا اخت نحن عندنا في البلد الراجل لازم يغطي قدحو بمعنى يتزوج بت عمو و الما عندو بت عم بعد داك يدور على عروس من مكان اخر .. اها اخونا عبد الله عم دكتور عماد وابو القدح بتاعه يعني ابو زوجته ..
تنفجر السكرتيرة بالضحك على المصطلح وتهز راسها .. وتفتح مكبر الصوت ( الاسبيكر) مخبرة الدكتور .
السكرتيرة : يا دكتور معاي هنا جماعة من اهلك عاوزين يقابلوك .. وفيهم واحد ( بضحكة مكتومة) بيقول هو ابو القدح بتاعك ؟
الدكتور : قلتي شنو؟؟ ابو القدح؟؟ اهااااا طيب طيب ضيفيهم لغاية ما اخلص الاجتماع بعد نص ساعة ..
اتفضلوا يا شباب اجلسوا على الانتريه ..
عم خضر : على شنو ؟؟ العنترية دي شني كمان ..
عم عمر : يعني حيكون شنو دولاب ولا تربيزة ما ياها اما كنبة ولا كرسي .
طيب : ما تقول كنبة ولا كرسي ..
عم مختار : ياخي انت حاكها كدا مالك يبقى ادوها ياها كدا في المدرسة ..
ويجلس الجميع على صالة الاستقبال حيث مثبت امامهم في الجدار شاشة ال سي دي مفتوحة على قناة الجزيرة الوثائقية .
مختار : يا اخوان عاينوا التلفزيون المعلق في الحيطة دا عبارة عن برواز بس ما متل تلفزيوناتنا ..
عم عمر : باقي لي يكون حافرين لو في الحيطة ..
عبد الله : حافرين لو شنو ماك شايفو حتى بارز من الحيطة ..
عم خضر : يا اخوانا العالم مشى ونحن لسع مدفونين في قريتنا ديك الحاجة تصلنا بعد الناس ما يشوفوها بعد عشرين سنة ..
عم عمر : انت يا اخوي باقي لي السكر طيرة دي مسحت مخك تب ..
عم خضر : ان جيت للصح أي ودي مسخت علينا حريمنا بالحيل ..
تقطع حديثهم السكرتيرة : تسمحوا يا اعمام بدون مقاطعة تشربو شنو ؟؟
عم مختار : ممكن تدينا خيارات ونحن نعزل ( يبدو هو يريدها تتحدث اكثر من الطلبات نفسها ).
السكرتيرة : طيب نحن عندنا اسبريسو وكابتشينو وموقا وتركش كوفي ومانجو جوز واابل جوز وقرين تي وبلاك تي ..
عم خضر : افاااااااااا خلي بالك ود اخوك دا خاربها تب نحن ساي من قبيل نشكر فيه ..
عم عبد الله : خاربها كيفن ..
عم خضر : براك ما سامع دا مافي نوع خمرة في العالم ما عندو ..
عم عبد الله : خمرة شنو انت منو القال لك الحاجات دي خمرة ..؟؟
عم خضر : يا اخوي نحن الحاجات الحلال وبيشربوهن بنعرفن ما ياهو الشاي والحليب والقهوة والببسي والعصير هسع قول لي واحدة من ديل هي قالتهن .عبد الله موجه سؤاله للسكرتيرة : يا بتي الحاجات القلتيها دي فيها خمرة .
السكرتيرة ويبدو انها غضبت : العياذ بالله العفو انتو فاكرننا شنو نحن برضو اولاد ناس زيكم هذه كلها طرق مختلفة لعمل الشاي والقهوة .
والجماعة تاثروا جدا لغضبة السكرتيرة وهزتهم فعلا .
عم ختار : الله يخربك يا خضر دائما متسرع وفاضحنا ..يا بت اختاري لينا انت والبيجي من يدك على باليمين نشربو حتى لو كان سم .
البت تعود للابتسامة ويبدو ان رد عمها مختار رد لها اعتبارها وتذهب مخاطبة العامل بالاسبيكر : يا راجيش هات اربعة موقا نكهة البندق واربعة قوارير موية باردة .
جلس شلة الاصدقاء على طقم الجلوس يشاهدون التلفزيون في انتظار راجيش حتى يحضر لهم المشروب الذي اختارته لهم السكرتيرة بعدما اعطاها مختار تفويض بذلك ..كما ذكرنا كان التلفزيون مفتوح على قناة الجزيرة الوثائقية وفجاه لفت مختار نظر الجمع الى البرنامج المعروض والمزيع يتحدث ( توجد طرق مختلفة لمعالجة مياه الصرف الصحي والتي يمكن ان تستخدم في مزارع الالبان والدواجن وفي الري بصورة عامة )
مختار : اسمعوا اسمعوا قالولك الموية كمان بيعالجوها ..
خضر : اظن الدكاترة بقوا كتار بقوا يعالجو اي شئ من طرف ... والموية بيعالجوها كيف ...؟؟
عمر : صحي قالك بيعالجو المياه ليستخدموها في مزارع الالبان .. الخواجات ديل بيعالجو الموية ويزرعوا اللبن ... مافي شي غلبهم تب .
وفي تلك اللحظة حضر راجيش يحمل المشروبات وقوارير المياه ..
عم عمر : هلا هلا يا عبد الله ود اخوك الجرسون جايبلوا هندي عدييييل حتى بشعره المجلط كمان .
عم خضر ناقدا كالعادة : ود اخوك قاطع مشوار الاف الكيلومترات عشان يجيبلو جرسون هندي البلد ما مليانة شباب عطالة ..
عبد الله : نان يسويلكم شنو المتعلمين ما بيرضو يشتغلو شغلة مثل دي .. والجاهلين ما بيفهموا الحاجات دي هسع في ذمتكم عمركم سمعتو بالمشروبات القالتها السكر طيرة 
دي .عم خضر : ما في زول يتولد من بطن امه يعرف حاجة خلي اليجيب لو اي ولد من اولاد الحلة ويتعلم مع كومار دا لامن يخبر الصنعة .
عم عمر : يا خضر ها حلة شنو البيجيب منها ولد على باليمين يوم يومين اكان يجيهم بعراقي وسروال وكاشت بسفنجة وخاتيلوا سفة كمان تقول لي يجي يقدم الموجا والحاجات اشربوا اتسمموا خلونا نتخارج من المحل دا بسراع .
وفعلا يبدا الجمع بتناول المشروب الغريب ذو الرغوة التي زادت فيهم الشك وجعتلهم يتشمموا بل بعضهم بل اصبعه وذاق الطعم ... واخيرا توكلوا وشربوا مشروب الموقا الدافئ بطعم الحلم .
مختار : هيع علي باليمين عمري ما ضقت طعم زي دا ..عفيت منك يا بتي دلال اختيارك يشبهك ..
فجاه ينتبه الجمع لدلال السكرتيرة ويجدوها تنظر لهم بتبسم وخجل 
خضر : انا طعمه مرة يجيني طعم دكوة مرة يبقالي عصير منقه ..
عمر : يا اخوي دكوة شنو انشاء الله خير ياخي .. تشرب لك في موجا على الطابق العاشر جايبها ليك هندي ومختاراها ليك سكرطيرة زي العسل.. القصة دي كلها تذكرك بدكوة ستنا ... والله صحي مرمي الله عمره ما بيترفع ..
وفجاه تسمع جلبة من عند باب الدكتور اذ يخرج من عنده الضيفان بلبساتهم الافرنجية الكاملة بدل وكرفتات ويخرج معهم الدكتور مودعا ويلتفت ناحية المجلس ويشاهد اهله .. ليستغبلهم بابتسامه تذكرهم بطفولته ووداعته ليهبوا لسلامه بالاحضان ..
اهلا عمم عبدالله وكيفك ياعمنا خضر .. شنو يا عم مختار الشيب دا .. ماشاء الله عم عمر لسع شباب ..
عمر متحمسا : اكان كدا شوف لي سكرطيرة زي دي اول حاجة ..
ويضحك الجميع وهم يدخلون الى مكتب الدكتور بصحبته ورحابة صدرة واريحيتيه التي اذابت كل كتل الصدمة الحضارية التي قابلتهم ..
والى سكرطيرة ثانية في مكان ثاني من شخص ثاني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق