السبت، 9 نوفمبر 2013

محطة القطار

ونحن طلبة في المرحلة الابتدائية ذهبنا انا وابن خالتي لنقضي العطلة المدرسية مع جدنا عليه رحمة الله بحي العمال بمدينة كسلا . وقد كان سائق قطار . وقد كان كثير السفر بحكم عمله لايرجع من السفر ويقضي يوما الا ويستعد لسفرة اخرى . وفي احد اوباته اراد ان يكرمنا انا وابن خالتي وطلب منا مرافقته حتى المحطة . 
اذا المحطة السادسة كانت محطة سكة حديد كسلا . 
وفي ذلك اليوم رافقنا جدنا واركبنا معه في الديزل . والشي المدهش في الديزل الذي يجر القطار انه عباره عن مكينة عملاقة باستشناء قمرتي القيادة وكل الباقي مكينة مع وجود ممر ضيق بالجنبين لاستخدام الفنيين . ودخلنا في جولة داخل الديزل وشاهدنا عملية التدوير وكلما ادار شيئا ارتفع الصوت . ونحن لم نكن منزعجين بل سعداء جدا بهذا النصر . لانه ملايين الناس ركبوا القطار لكن كم منهم من ركب الديزل نفسه . هذا الشعور جعلنا في مصاف الاصفياء . 
وكذلك اكرمنا بشي آخر اذا رافقنا جدنا ركوبا وهو يناور بنا بالديزل . ومصطلح المناورة في السكة حديد يعني تجميع العربات في خط واحد والتي سيجرها الديزل حتى تكون مايعرف بالقطار . وقد كان القطار مخصص للبضاعة وكانت العربات التي سيجرها مفرقة هنا وهنالك . ونحن كنا سعداء بالهزة التي تحدث كلما قطر الديزل احدى العربات . وهكذا حتى اخيرا ودعنا جدنا وطلب منا النزول لنكتشف بان القطار اصبح طويلا جدا . 
وتحرك جدي بالقطار نحو بقيته ملوحا لنا بالوداع . 
بعد ان اختفى القطار عن الانظار كان ابن خالتي ذلك مميز بالشقاوة . وهو من المفترض ان نرجع البيت الا هو انه رفض . وبعد ذلك قرر ان نواصل عملية الشعلقة في العربات المتحركة هنا وهنالك . وكنا نقف على سلالم عربات المناورة حتى اذا قاربت الدخول من الورشة قفذنا منها وجرينا نحو اخرى . 
في هذه اللحظة لم ندري باننا كنا مراقبين من احد العمال او العطشجية والذي بدوره ابلغ شرطة السكة حديد . كما نعلم ان السكة حديد كانت دولة قائمة بذاتها اذ لها شرطة خاصة واطباء ومهندسين ومراكز صحية . 
لحظات ونجد ان البوليس يقبض علينا ويوسعنا ضربا محاولا ان يخرج منا باقرار عن ذوينا ومن اتى بنا اذ عرفوا باننا لسنا من ابناء حي السكة حديد . ونحن فضلنا جلدهم على الاعتراف باسم جدنا لانه كان رجلا صعب جدا يمكن في معلومه كهذه تاخذ فيها اعدام . لذلك صمتنا وصمدنا حتى اخذنا ما فيه النصيب وجرينا نحو البيت كل منا يلوم الآخر . انا اقول له بعد ودعنا جدي قلت لك نذهب للبيت . وهو يقول لو كنت انت سريع لما قبض علينا. 
طرأت في ذهني هذه الذكرى وانا اذكر آخر زيارة لكسلا في العام الماضي رايت كيف انهارت دولة السكة حديد في السودان ووزعت بيوتها الفخمة والفارهة على اساتذة جامعة كسلا . وخمد هدير القطارة وصفاراتهم التي كانت تطربنا ولا تزعجنا . 
نسال الله ان يعيد الحياة لمحطات سكك الحديد بالسودان ببيوتها الطوبية المميزة وقطاطيها المبنية من الطوب والتي لم نشاهد لها مثيل في جميع انحاء العالم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق