الثلاثاء، 5 نوفمبر 2013

لا توصي حريص

رجع عم عبد المعطي من دوامه العادي مثل ما يفعل كل يوم .. تناول وجبة الغداء في ضل العصر مع عايلته رقد في العنقريب يتعاطى الجريدة اليومية قبل ما ياخذ غفوة العصرية ..
بين النعاس والحروف المتقطعة وعدم التركيز واخبار الجريدة يسمع صوت ابنه الصغير ينادي ..
خالد : يابا يابا يابا .. ابوي .
عبد المعطي : ايوا يا ولد في شنو ؟؟
خالد : الحلاق قال عاوز قروشه ..
عبد المعطي : طيب بعدين ..(يرد عبد المعطي بدون تركيز ) ويجري خالد نحو الشارع لمواصلة لعبه وفجاة ينتبه عم عبد المعطي وينادي ولده : تعال يا خالد انت قلت شنو ؟؟
خالد : قلت ليك الحلاق قال داير قروشه ..
عم عبد المعطي هائجا : انت ياكلتوم حتى الحلاق ادينتوا منه .؟؟.
تظهر من داخل المطبخ كلتوم هائجة باعلى صوتها ..نسوي شنو عاد تتذكر لامن اولادك الاربعة في المدرسة قالو ليهم كان ما حلقتو تاني ما تجو المدرسة ... وانت قلت ليهم امشوا احلقوا عند عمكم خليل وانا بدفع ليه بعد ما نصرف ..
صفق عم عبد المعطي يديه وقال : يعني بعد عبد الله الجزار وخضر بتاع البقالة وسيد اللبن الحلاق كمان بقى طالبنا قروش ؟؟ انا خايف كمان تقولي عثمان العجلاتي طالبنا قروش كمان ..
كلتوم : اصلوا طالبنا .. تتذكر لامن عجلت طارق كانت منفسه وهو عندو درس عصر بالمدرسة وانت قلت ليه ما معاي قروش انا قلت ليه وديها لعمك عثمان يرقعها اخر الشهر نحاسبه .. وحتى كمان طلعت الهمبوبة بايظة مره واحدة ركب ليه واحدة جديدة مع كفر جديد... اها دا حقوا حصل الخمسة وتلاتين الف .
عبد المعطي : خلاس امشي كرهتينا حياتنا .. ودي شنو المره القاعدة تحت الشجرة ديك ..
كلتوم : اجي دي كمان ما بتعرفها دي ما حاجة صفية .
عبد المعطي : ومالها حاجة صفية قاعدة هنا اوعى تقولي لي هي كمان طالبانا قروش .
كلتوم : اجي ومال البخليها تقعد تحرسك شنو؟؟
عبد المعطي : وحاجة صفية باعت لينا شنو انشاء الله كمان ما تقولي لي ادينتو فول وتسالي ..
كلتوم :حاجة صفية يا عبدو يا اخوي خادمانا خدمة ما يعلمبها الا الله .اولا الويكة والشطة والبتضربو فيهم كل يوم ديل من حاجة صفية . والسلطة بالدكوة البتحبهم ديل دكوتم دي جاية من وين صرفوها ليكم في المكتب ؟؟؟
عبد المعطي : اللهم طولك يا روح ماشي خلاص فهمنا ..
كلتوم : فهمت شنو انا لسع خدمات حاجة صفية ما كملتهم ليك شايف بناتها خضرة القاعدة جمبها ديك ونورة هسع في المطبخ .. اها ديل واحده فيهم بتغسل لينا الهدوم بالشهر وتكويهم والثانية بتغسل العدة بالشهر ..
عبد المعطي هائجا : يا وليه حرام عليك نحن اكلنا مجهجه وبالدين تجيبي ليك ناس يغسلوا ليك العدا والهدوم .. ما تغسلي براك زيك وزي الحريم .
كلتوم : ما غسلت ليكم لامن ضهري دا اتقص ولغاية ما جاتني مبادئ الغدروف وكرعي ديل اتشققن .. براك ما سمعت باضانك الدكتور قال لي ما تقعدي فترات طويلة ..
جر عبد المعطي نفس طويييل وقام من سريره ( عنقريبه) بعد ما تضاعفت همومه هو اصلا يعلم تماما ان راتبه لايكفي البنود التي في راسه والمتمثله في الدكان ( البقاله) سيد اللبن الجزار الخضرجي الكهرباء الماء ولحسن الحظ هو وارث هذا البيت المتهالك والا كان لحقهم بند الايجار .. طار عنه النوم واخذ كرسيه خرج وجلس امام البيت ..
شاهده جاره عمر وهو ايضا كان يجلس على كرسي امام البيت اخذ عمر كرسيه واقترب من من عبد المعطي .
عمر : شنو يا ابو عبده نومة العصر طارت ولا شنو ؟؟ . عبد المعطي : ما بتطير كيف اذا كان نحن اي شئ نعمله ولا ندخله بيتنا بالدين والراتب ما يغطي ربع الديون تفتكر بعد كدا ممكن يجينا نوم .
عمر : ياخي انتو كمان عندكم نفس الفلم دا .. وانا قلت ناس عبد المعطي ديل ناس مدبرين ومباصرين راتبهم ..
عبد المعطي : مباصرين ؟؟؟ يمين دا اجعص ساحر ولا عالم رياضيات ما يعرف يباصره وحا يعمل شنو يعني عشان يخلي تلتماية الف تغطي ليها مصاريف بمليون ؟؟
عمر : والله بيني وبينك معاك حق وعشان كدا انا خطرت لي فكرة نعمل جمعية نسميها جمعية المدينين المتحدين ..
عبد المعطي : وحا تعمل شنو الجمعية لديوننا المتواصلة دي ..
عمر : اسمع يا اخوي انت ما تفتكر انه نحن برانا في ناس كتار زينا دخلهم ما بيغطي نصف مصاريفهم . نحن من خلال الجمعية دي قول سجل فيها ماية شخص كل واحد حيدفع اشتراك شهري عشرة الف مثلا ..
عبد المعطي : يعني حاتزيد للديون رسوم الجمعية كمان ..
عمر : اصبر انا جاييك .. حتكون عندنا في الصندوق مليون جنيه بعداك كل واحد يجمع ديونه ونعمل على جدولتها وتصنيفها ونتفق مع اصحابها على سدادها بالاقساط المريحة.. وبعد ذلك ندور على جهات تمويلية ناخذ منها المواد التموينية جملة وبسعر التكلفة .. وبالتالي نلغي بند البقالة والخضار من مصروفاتنا ويكونوا عن طريق الجمعية .
عبد المعطي : شوف هنا انت راجل بتاع اقتصاد وكلامك دا رغما عن انه ما فهمته الا عجبني شديد تعال نتلاقى بعدين في النادي ونعرضو على مظاليم الهوى ديك .
عمر : ماشي خليه بعدين في النادي ما في مشكلة .
عبد المعطي بعد ما سمع فكرة جاره عمر شعر بشئ من الارتياح واستاذنه عائدا الى البيت لمحاولة النوم مره اخرى بعدما ما شعر بشئ من الامل ربما يذيب تلبد الديون الجاثم على الصدور كالسحب في عز الخريف .
كلتوم : مالك جيت داخل سريع لقيت السد نفسك من الشارع كمان ..؟؟
عبد المعطي : بالعكس قولي لقيت الريحني واداني الامل ..
كلتوم : لعلو عمر راجل محاسن سامعاه يتكلم معاك من بره .. ما تقولي قال يسلفك عشان تسدد ديونك ..ديل اخير منهم نحن على الاقل بيتنا ملك .. ديل كمان قاليك سيد البيت بينتظر عمر جمب شباك الرواتب لانه شغال معاهم .. اول شئ يقبض حق الايجار حتى بعدين يفك ليه الباقي .
عبد المعطي : يا وليه حرام عليك حتى الجيران شايله حالهم .. وبعيدن انت الحل عندك ما بيجي الا بدفع قروش ..؟؟؟
كلتوم : اجي يا اخوي هي ديون حا يحلوها بشنو كان ما بالقروش .
عبد المعطي : دا كلام كتير انا ما بقدر اشرحه ليك هسع خليني اخذ لي نومه وقت الهم خف مننا شوية .. ما توليعه تاني من جديد .بعدين عندنا اجتماع في النادي ..
كلتوم : هوي لعلكم دايرين تحولوها لاجتماعات وسياسة كمان يفصلوكم من الخدمة وتطينوها مره واحدة .
عبد المعطي : اعوذ بالله منك .. يا مره ما تمشي تخلينا ننوم .
ذهبت كلتوم وهي تتحدث بصوت منخفض كانها تحدث نفسها ولكن هي قاصدة توصل الكلام لعبد المعطي : عمر ود نفيسه دا انا عارفاه من زمن كان طالب جنه مشاكل وسياسة وكل يوم معتقلنه امه دي فترت من الواسطات .. اها قلنا اتخرج واشتغل وعقل بعد ما عرس وبقى عنده اولاد .. عاوز يرجع يولعها تاني من جديد .
عبد المعطي :واضعا المخده في راسه ليرى كلتوم بانه لا يريد ان يسمع كلامها .. لكن الحق يقال انه كلام كلتوم هيج كل الفيران التي تسكن عبه واهاجها .. اجتماع في النادي التحدث عن الحالة المعيشية بصوت عالي .. والرواتب لا تكفي الشهر .. تكوين جمعية .. كل هذه الاشياء تشبه السياسة فعلا ويمكن تفسر كمعارضة من جانب الحكومة .اشتعلت الهواجس واطارت منه النوم وهو يتقلب يسارا ويمينا من جديد : طيب الحل شنو يا اخواننا .. نقعد نعيش وسط الديون بعد شوية اصحاب الديون نفسهم سيتوقفوا عن مدنا بالمواد ... اذا لابد من حل ... لازم نصل النادي ونجتمع باعلى صوتنا ويحصل اليحصل .. مهما حصل ما حيكون اسوا من الجايي .. ما اعتقد في اسوا من انه الحاجة ست الفول تكون طالباك قروش وهي تبيع تسالي فقط ..
متين يجي المساء ؟؟
وفي المساء
من بعد صلاة المغرب مباشرة لبس عبد المعطي جلابيته ووضع الطاقية وركب عجلته متوجها الى النادي وقد كان متحمسا لم تثنيه نداءات ام العيال في انتظار شاي المغرب .. وقال في سره شاي المغرب الكله بالدين دا ذاتو ما دايره ( لا اريده) .
وفي النادي .. هو نادي الدينمو احد اندية الدرجة الثالثة المجهولة وهو نادي الحي يقوم بدوره الاجتماعي اكثر من الدور الرياضي على الاقل في امتصاص غم رواده بدفن رؤوسهم في اوراق الكتشينة كل يوم .. له فريق في كرة القدم لم يفلح ان يتخطى عتبة الدرجة الثالثة لمدة تجاوزت الثلاثين عاما منذ افتتاحه بل هو يتمسك بالدرجة الثالثة بجهد جهيد يكاد يفقدها في كل عام .. لا احد حريص لتطوير هذا الوضع .. وليس مهم كما انه موضوعنا هو في ايقاف عجلة ديون هؤلاء الغلابة سيبو الدينو في ثالثته ..
بدا الناس يتجمعون ويتكلون عجلاتهم على بوابة النادي كالعادة ... انتظر عبد المعطي الى ان وصل الاستاذ عمر الخبير الاقتصادي المفلس والغارق في الديون اكثر من الاخرين ..
همس عبد المعطي في اذن عمر قائلا له .. خليني اولا انا اعمل مقدمة للناس ديل بعدين انت تدخل تشرح باقي الفكرة ..
امن عمر على كلام عبد المعطي .. وانتظر عبد المعطي حتى تجمع عدد كبير من الناس .. وتوزعوا على طاولات ورق الكتشينة ولعب الدومينه .. صفق لهم عبد المعطي لافتا الانظار ..
عبد المعطي مخاطبا الحضور : يا اخوان السلام عليكم ممكن تسمعونا خمسة دقايق قبل ما تبدو اللعب .. طبعا يا اخوان ما فينا واحد ما بيعاني من الديون المتراكمة وقبل ما الواحد يسددها تظهر ديون جديدة .. زهجنا وكرهنا حياتنا .. اصبح كل شخص يبيع شئ في الحي يطلبنا دين حتى الحلاقين والعجلاتيه والنجارين ودا غير ناس الخضار والبقالة ..
الكلام لفت نظر رواد النادي فعلا وبدا يجرون كراسيهم ويتجمهروا حول عبد المعطي ..
وواصل عبد المعطي : ونحن عشان نوقف نزيف الدين دا ناقشنا الموضوع انا وجارنا وزميلنا الاستاذ عمر وهو اقترح فكرة جميلة وانا اعتقد هي ممكن تخرجنا من عنق الزجاجة زي ما بيقولوا .. انا اترك الفرصة للاستاذ عمر يشرح لكم الفكرة وانشاء الله تلقى التاييد والدعم مننا كلنا .. اتفضل يا استاذ عمر .
وقف استاذ عمر مخاطبا الجمع وشارحا الفكرة قائلا : 
تعرفوا يا اخوان طبعا كلنا نعاني من تراكم الديون وزي ما قال اخونا عبد العاطي اصبحنا مطلوبين من كل اصحاب المهن .. وتعرف السبب الذي ضاعف ديونا انه نحن اصبحنا مستقلين من التجار والباعة لانه الواحد ممكن يرفع الاسعار لانه يعرف انه نحن ما عندنا خيار تاني وما في حد بيدينا حاجة بالدين غيره .. عشان كدا تضاعفت ديوننا واصبحت فوق طاقتنا .. ومعظمها زيادات في الاسعار بسبب الدين .. 
صدرت همهمات وتذمر من الحضور يبدو انه استاذ عمر لمس جرح لم يكونوا يشعرون به .. وبعضهم بدا يسب ويسخط على التجار .. وطلبوا من استاذ عمر المواصلة وحتى الذين حاولوا ان يتجاهلوا الموضوع ويدفنو رؤوسهم في اوراق الكتشينة تركوها وعادوا للاجتماع . 
وقف شيخ هارون رئيس النادي وزعيم الحارة : متشكرين يا ولدنا عمر يلا الحقنا بالحل السريع لاننا كلنا وحلانين ما تفتكروا الموظفين براهم حتى نحن ناس الاملاك المؤجره دخلها ما مكفينا وندين وما قادرين نغطي ..

عمر مواصلا : الفكرة ببساطة يا اخوان نحن حانعمل اولا اشتراك شهري ثابت يكون صندوقا للجمعية .. وثانيا كل واحد حايمشي يجمع ديونه في كراس منفصل تكون مفصلة وفي النهاية يجمعها في مبلغ واحد .. نحن حانشكل لجنة تنتخبوها انتو ونسميها لجنة حلحلة الديون ... 
بعد ذلك كل واحد يقسم دخله الشهري لثلاثة وحدات متساوية .. ثلث لحلحلة الديون القديمة وثلث لشراء المواد التموينية للشهر الجديد ( حانتكلم عنها بعد شوية ) والثلث الاخير يحتفظ به للطوارئ .. 
لجنة حلحلة الديون راح تمر بكل الديانة وتتفق معهم في جدولة ديون كل واحد منا مثلا شيخ هارون البقالة تطلبه مليون .. نحن نتفق مع صاحب البقالة انه شيخ هارون ما راح يتدين منه مره ثانية ونحن راح ندفع لك المليون في خلال اربعة شهور كل شهر مائتين وخمسين الف .. وهكذا .. 
نجي لثلث المواد التموينية .. نحن راح نمشي بهذا الثلث من اسواق الجملة بالسوق العربي ونشتري المواد الاساسية من هناك بسعر الجملة .. ونجي نوزعها على الناس كل واحد حسب ثلثه مواد انشاء الله تكفيه لباقي الشهر وتفضل وبسعر الجملة .. 
يا اخوان انتو لازم تعرفوا صحيحا انه نحن دخلنا ضعيف لكن وباشتراكنا واتحادنا مع بعض حانحول ضعفنا لقوة .. يعني الثلامائة الف راتب شهري لامن تضربها في مائة عضو حاتتحول لثلاثين مليون .. 
فجاه يقطع الحوار احدهم تحت دهشة الحضور ويهتف : ما عايزين اشتراك يا شويعية يا كفرة عايزين تدخلوا حتى في بيوتنا يا شويعيين ياكفار ..
الرجل الذي هتف خلق بلبله فعلا في الاجتماع وخصوصا من الناس الذين يوصفون بانهم يمشون قرب الحيط .. يجنبوا انفسهم اي شدائد او احتكاكات مع الانظمة .. هتافات ذلك الشخص المتعصب المناهض جلعتهم يسحبون كراسيهم ويعودوا الى كشاتينهم .. اما عمنا عبد المعطي راى ان الحلم كاد ان يتبدد حتى قبل ان يبدا .. لذلك بغضب شديد وغيظ اعتلى احدى طاولات اللعب وخطب في الحضور بصوت غاضب قائلا . 
اسمعوا هنا يا ناس الرسول قال الحكمة ضالة المؤمن اينما وجدها عمل بها .. بل الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه اخذ معلومات من اليهود وهم الد اعداء الاسلام وعمل بها مثلا يوم عاشوراء .. سالهم الرصول لماذا يصومونه قالوا هذا اليوم الذي نجى الله فيه نبينا موسى .. فقال نحن اولى بموسى منكم فصامه وامر بصومه .. بل الرسول صلى الله عليه وسلم اقر قراءه آية الكرسي دبر كل صلاة لعبد الله بن مسعود رغما انها معلومة اتته من الشيطان .. وقال له صدقك وهو كذوب .. وانا اقول هذا الكلام ليس تشكيكا في عقيدة اخونا عمر بل هو اصومنا واكثرنا التزاما بالصلاة .. هو يصلي الفجر حاضرا بالمسجد مين فيكم ملتزم بصلاة الفجر .. ما معناها انه كان شويعي ايامه كان طالب حا يظل شويعي للابد .. وحتى لوكان لازال شويعيا .. هو لم يتدخل في عقيدتنا ما قال لزول سيب صلاتك ولا صومك .. هو عاوزنا نتعاون مع بعض ونحل مشاكلنا بروح جماعية وربنا قال ( تعاونوا على البر والتقوى ولا تتعاونا على الاثم والعدوان ) .. ونحن لو شعرنا ان هذا التعاون في اي لحظة يدعو لاثم ولا عدوان نحن قادرين نفرتكو في لحظات زي ما عملناه .. 
وانا اقولها لكم باختصار .. هو دا كراس الحضور ومعاه قلم .. واي واحد عاوز يشترك في الجمعيه يسجل اسمه وبنفسه بدون ما يملي واحد .. وانا الجمعية دي ما واقف منها ولا منتظر فضل من اي واحد فيكم .. واقسم بالله لو اكونها من العتاله في السوق العربي لازم اعملها لاني اقتنعت بيها وانه هو دا المخرج الوحيد ... وانا ما حانتظر لغاية ما حاجة الفول والجزار والحلاق والعجلاتي يفتحوا فيني بلاغ ويدخلوني السجن بسبب ديون تافهة .. والكراس قدامكم العاوز يسجل يسجل ..

ونزل عبد المعطي من الطاولة وجلس في الكرسي قرب صديقه عمر وانكب الحضور على الكراس يسجلون اساميهم بعد ان خذلوا ذلك المهووس الذي لم يجد بد سوى الخروج من النادي والمغادرة .
بعد ما تم تسجيل العضوية وهي تقريبا تكونت من كل من كان متواجدا في النادي في ذلك اليوم سجل اسمه بل بعضهم سجل اسماء بعض الغائبين من اوخوتهم ..
وقف العم سليمان وهو احد الحضور وسال : اها يا اولادي اسامينا سجلناها اها الخطوة التانية شنو
وقف عمر شارحا باقي الفكرة : وقال يا اخوان اولا حتكون فيه رسوم اشتراك ثابته للطوارئ وهي مبلغ بسيط ماية جنيه نحن راح نصرفها في المطبوعات والايصالات والدفاتر عشان كل شئ يكون مسجل ومكتوب زي ما ربنا امر وقال اذا تداينتم بدين فاكتبوه ..
بعداك كل واحد يمشي يجمع لنا ديونه في كراس منفصل بالتفاصيل يعني مثلا صالح الجزار يطلبني كذا عثمان العجلاتي يطلبني كذا ..
بعدها راح نشكل لجنة من الاعضاء من ناس تكون لهم كلمتهم ومكانتهم نسميها لجنة جدولة الديون .. هم راح يمروا على اصحاب المحلات ويتفقوا معهم على تقسيم دين كل فرد على اقساط ثابته تسدد شهريا .. وبشرط انه صاحب البقالة يوقف الدين لكل واحد ويبدا يستلم اقساطه الشهرية حتى يصفر الدين ..
وراح نكون لجنة ثانية نسميها لجنة المواد التموينية .. ونفضل تكون من اهل السوق .. بمعنى ناس لهم محلات وعلاقات بتجار الجملة عشان يشتروا المواد التموينية بسعر المورد وبكدا نكون وفرنا الارباح الكنا بندفعها لاصحاب البقالات والمحلات ..
يقاطعه احد الحضور بهتاف : ينصر دينك يا استاذ عمر والله كلامك بس ريحنا قبل ما نشوف التطبيق .
وقاطع آخر رافعا يده : لكن اولا قلنا القروش بتندفع كيف الناس دخلها بيختلف في ناس رواتبها كبيرة وناس فقيرة كلهم يسلموا مرتباتهم وتقسموا المواد بالتساوي كدا فيها ظلم ..
وفعلا سرت همهمات بين الحضور ..
ليقاطعهم استاذ عمر :
لا يا اخوان انتو فهمتو غلط .. نحن قلنا في البداية انه كل واحد راح يفصح عن راتبه للجنة الديون فقط .. حتى يتم تقسيمه لثلاث فئات .. ثلث حيكون لتسديد اقسساط الديون القديمة .. وثلث لشراء مواد الشهر .. وطبعا كل شخص راح يشتري المواد حسب قدرته بمعنى ثلثه وحسب اسرته وحوجته .. وثلث راح يحتفظ به اما للتوفير او احتياطي للعلاج وخلافه بمعنى للحالاات الطارئة .
عادت همهمات ارتياح من جديد وعقب السائل قائلا .. كنت فاكر الناس تجيب كل رواتبها وتقسمها لثلاثة ..
عمر : لا نحن راح نحل لكل واحد مشاكله بصورة منفصله حسب دخله وحجم ديونه . بمعنى مش راح نحمل الديون لبعضنا البعض كل واحد راح يحل ديونه لكن في اطار الجماعة .. والجماعة فقط راح نستمد منها القوة والثقة والضمان لصاحب البقالة او الجزارة .. واصحاب المحلات نفسهم راح يرتاحوا لمن يعرفوا انه فلسوهم راح ترجع لهم بضمان ثابت كل شهر .
رد عم سليمان : يلا يا ولدي على بركة الله حرك المواضيع خلينا نخلص من الهم دا 
عبد المعطي لانه تمكن منه الجوع لم يجد بد من تناول الكسرة الخميرة مع اللبن والسكر .. اكلها بنهم رغما عن يقينه التام بانها تسبب له انتفاخ البطن .. ولكنه جوعان ويعرف ان زوجته ليس لديها بديل .. ولو فتح معها الموضوع او اعترض فتحت عليه نيران هو في غنى عنها حاليا (ماناقصة قالها في نفسه) .. فبدا على مضض يبلع في لقيمات كسرة الخبز بالحليب ويمني النفس بان الفرج قريب .. بعد ان تحل مسالة الديون ويسيل المال في جيبه من التوفير .. ممكن يذوقوا طعم الدجاج والخيرات التي يشاهدونها فقط في المسلسلات التلفزيونية .
اكل بدون اي اعتراض قافلا الفرص على كلتوم التي جلست قباله متحفذه لاي احتجاج حتى تكيل له النقد الفظيع لكنه (قتل لها الدش) كما يقول لاعبي الضمنه.
اكل حتى امتلا وغسل يده وفمه ورقد مستعدا للنوم .. 
لكن كلتوم حاولت تجرجره لمعرفة ما دار في النادي وادى لفتح شهيته لهذه الدرجة حتى شرب باقي الحليب بالكسرة من الصحن مباشرة متلذذا بطعهما لاول مرة .. مما زاد فضولها وغيظها في نفس الوقت بصمته ..
كلتوم : اها عايزين تعملوا شنو في النادي وحليتو المشكلة كيف انت والشقي عمر؟؟
عبد المعطي : حاتفرج ياولية بس نومي خلينا نرتاح من اليوم المتعب دا ؟؟
ورقد عبد المعطي جارا بطانيته في راسه تاركا لها تنظر اليه شذرا وبغيظ .
ولكن قبل ما يغرق عبد المعطي في النوم يسمع صوت خبطات عنيفة على الباب ليقوم مفزوعا ..
كلتوم غير مطمئنة : اها ما قلت ليكم هبيشك مع عمر دا بيوديك في ستين داهية اها خم وصر جاك النفخ الما حق الكسرة ..
عبد المعطي جلس في السرير وهو ينظر الى باب الشارع بزعر .وفي شلل ظاهر
الكلام المستفذ الذي صدر من كلتوم لحظة الخبط العنيف كان كفيلا بان يتناول عبد المعطي او اي رجل آخر في مكانه الطاولة ويخبطها بها .. لكن تركيزة المزعور ناحية الباب الذي لازالت تتوالى عليه الخبطات الجمه .. اخيرا نطق .
عبد المعطي : كلتوم ما تشوفي منو في الباب ؟؟
كلتوم : اجي يا راجل الباب بتشوفو المره ولا الراجل .؟؟
عبد المعطي : ما يمكن واحدة من جاراتك ..
كلتوم وجاراتي البيجيبن شنو في نص الليالي .. بعدين جاراتي من متين بقيت تخجل منهن ما قعد تجر كرسيك وتجي تتونس معاهن كل يوم..
عبد المعطي يبدو ان كل زرائعه المدخرة لدفع كلتوم لفتح الباب قد نفذت منه ووجد انه ليس له بد من فتح الباب بنفسه .
ونزل من سريرة بخطوات متردده متجها ناحية باب الشارع وهو يتمتم بعبارات سقطت منها كثير من الحروف ( مين .. منو في الباب .. انت مين )
لم يجد اجابة من الطارق سوى بمزيد من الطرقات التي زادت عنفا والحاحا وزادته رعبا ورجفة .
وفتح الباب متوكلا ليفاجا بان من كان يطرق في الباب بعنف ما هو الا ابن الجيران التمتام .. والذي يستعيض عدم قدرته على النطق بمزيد من الطرقات العنيفة .. وهو لا يدري ان هذه الطرقات اصابت الغدة الدرقية لعبد المعطي بالجفاف .
عبد المعطي بغضب ممزوج بفرح ناتج من الفرج ..
في شنو يا ولد عاوز شنو ..
الولد : يا عم عم عم عبد المعطي .. امي عازوة تل تل تل تل تلد قالو ليك روح جيب الداي داي داي داية )
عبد المعطي : وابوك وين ؟؟
الولد : ابوي نبط نبط نبط نبطشي وبايت في الشغشغشغشغشغل )
عبد المعطي تمتم بحاضر اروح البس جلابيتي وجايي ..
ودخل تجابهه كلتوم : خير في شنو ؟؟
ياخي دا خالد ولد حسن جارنا العسكري داك قال امه بتتوجع رايح اجيب لها ام احمد الداية ,,,
كلتوم : سجمي البس توبي الحقها .. اسرع ماتتاخر علينا ..
عبد المعطي متمتا : خلاص استلمتي الموضوع يا حلف الناتو انتي .
عاد عبد المعطي من مشوار الداية مستوى تماما لقد تمكن منه التعب لانه عاد والداية في معيته راجلا ( كداري) بعد ان وضعت الداية شنطتها في سرج العجلة ..
ادخلها عند جيرانهم ورغما عن ان المشوار ارهقه جسديا الا انه اراحه نفسيا اذ لم يكن الطارق ( البالي باله) اي على هوى كلتوم واراحه ايضا لانها انشغلت بولادة جارتها عنه..
نزل في سريره وسرعان ما غرق في النوم ودخل في شخيره المعهود ..
يطرق الباب مرة اخرى هذه المرة اشد عنفا من الاولى بل الطراق هذه المره يكتفون بطرقتين فقط يعقبها كسر الباب ويدخل جماعة مسلحين بلباس مدني ياخذوا عبد المعطي مفزوعا بملابس نومه .. لم تردعهم رجاءات وصرخات كلتوم .. ودعاؤها بعبارات من نوع ( منك لله ياعمر انت السبب كله منك )
ابو علي بعيون نصف مغمضه يتلفت ليعرف شخصيات آخذيه لم يتبين ملامحهم في الظلام فضلا عن لطمة في الراس اعادة راسه الى وضعه الطبيعي .. 
والفاظ من نوع ( اركب يا كهنة عامل لينا فيها بتاع اشتراكية وحركات .. اركب .؟؟)
يجد نفسه في سيارة بكس بعد ان تم رميه على الصندوق الخلفي مثل خروف الاضحية ..
وتحركت السيارة نحو اتجاه مجهول حاول ان يرفع راسه ليعرف الى اين هو متجها لكن تفاجئه لكمة وسيل من الشتايم مع ضغط راسه بالرجل على ارضية السيارة ..
حس بان السيارة توقفت داخل مبنى .. تم تنزيله من السيارة وادخل داخل غرفة ليجد صديقه عمر .. في حالة يرسى لها متورم العينين ويسيل الدم من فمه ..
يتم اجلاس عبد المعطي على الكرسي وتربيط يديه من الخلف ..
وياتيه احد الشباب مفتول الزراعين يمسك بخناقه : قلت لي يا كهنة عايزين تعلموا الاهالي المساكين ديل الشيوعية والاشتراكية ..
عبد المعطي محاولا التبرير : ياخي شويعية شنو نحن زاتنا ما بنعرفها نحن عايزين نحل مشكلة الديون وبس ..
تعقبها لطمه قوية تجعل شفته تنزف : ديون يا وهم دا علينا نحن .. الحكاية ما تبدا كدا تخموا الناس بمشاكلهم عشان تجندوهم ..
في ذات الوقت يجد عبد المعطي امامهم اناء موضوع على النار وبه شئ يغلي ..
يدخل شخص مهندم ويبدو عليه انه رتبه كبيرة داخلا على عبد المعطي :: اوووو عبد المعطي زعيم الشيوعية وصل ... انا عارف عبد المعطي راجل شاطر وحا يخلص نفسه ويورينا منو معاه ومين ممول الحركة ..
عبد المعطي شعر ان اللهجة هادئه وحاول يتظارف : يا جنابو هو نحن لو عندنا تمويل ما كان دفعنا بيه الديون وخلصنا روحنا ..
غير انه الضابط رفع راسه باتسامه لمن هو واقف في الخلق لتعقبه لكمة على ظهر عبد المعطي تجعله ينكفي على وجهه..ويسيل الدم من انفه هذه المرة ..
المسئول : عامل فيها زكي وتخفف في دمك كمان ؟؟؟ ما عاوز تعترف لينا مين ورا التنظيم ؟؟
عبد المعطي : والله يا جنابو الحكاية لافيها تنظيم ولا يحزنون انا وجارنا عمر دا كنا قاعدين قدام البيت وجاتنا الفكرة دي .
المسئول : الظاهر انت الكلام الهادي ما بينفع معاك .. اصرفوا ليه من الحلة واحد زيت حار ..
عبد المعطي ينظر بعين جاحظه ناحية العسكري الذي ادخل ما يشبه كمشة الفول في الحلة التي تغلي وغرف منها شئ وصباه على راس عبد المعطي .. الذي صرخ بعنف ماسكا راسه .. ليكتشف بانه نائم في البيت قرب زوجته وانه كان في كابوس عنيف ..
تقوم كلتوم مفزوعه لصرخته : سجمي بسم الله يا راجل مالك؟؟ .. شفت شنو في النوم ..؟؟
عبد المعطي : ماكله منك انتي مليتي راسنا بالكوابيس..
كلتوم : اجي يا راجل حتى نومك انا مسئولة منه الكوابيس ما جاتك من هبيشك ومعافرتك..
المهم تفل عبد المعطي عن يمينه وعن يساره وتعوذ وحمد الله انه كان في كابوس فظيع ..
كلتوم : الليلة يا راجل الصبح اذن امش صلي في الجامع يمكن ربنا يفرجها علينا ..
وفعلا قام عبد المعطي على الحمام متوضيا وذاهبا الى صلاة الفجر في المسجد كمرة من المرات النادرة التي تحدث منه .
عاد عبد المعطي من المسجد بعد ان ادى الفرض يتثاءب نسبة للارهاق المضني الذي لازمه نتيجة لهذه الليلة الطويلة .. وسواس وهواجس زوجته والخوف الافتراضي الذي زلزل كيان شجاعته بالتدريج .. حتى بات يسمع اي قرعات على الباب كانها كتائب الاعدام ..
الخبطة الاولى طلعت حمى خفيفة رغما عن انها اكثر اجهادا جسديا .. لان مشوار الداية كان طويلا .. عاد لينام لتختلط عليه الاحداث مع مخاوف الزوجة مع الارهاق لتتحول الى كابوس مرعب انتهى به صارخا ممسكا بأم رأسه .. او حتى خالته .. لم يعد يهم ..
في الطريق من المسجد لبيته حصل عنده فصام شخصية .. اذ انقسمت نفسه بين شخصين معاتب ومدافع ..
-
عبد المعطي مالك ومال الشبك .. ابعد عن الشر وغنيلو .
-
لكن لمتين نحن نبعد عن الشر ونغنيلو لامن صوتنا بح
-
عبد المعطي هوي الخواف رب عيالو.
-
بئس العيال المتربين على الخوف ..
-
يعني انت عاوز تعمل شنو ما الكوابيس دي انذارات للشر ..
-
عبد المعطي هوي اصلا الشر جاي جاي ومن لم يمت بالسيف مات بغيره ... يعني ممكن ست الفول وبناتها يتلمن فيك ويدقنك دق العيش .. يعني سيك سيك معلق فيك .. فان كان من الموت ليس ببد فمن العار ان تموت جبانا .
-
خلاص كفى لامن قلبت شاعر كمان ..
عبد المعطي عادت شخصياته للتوحد عندما سمع صوت من خلفه : شنو يا ابو عبده مالك ماشي وتؤشر براك انشاء الله خير.. نعلو ما الجمعية ..
عبد المعطي يلتفت متلعثما : اهلا عم عوض .. لا لا جمعية شنو البتخلينا نتكلم ونؤشر برانا ..
عم عوض : يبقى ياهى الديون بتتحلى ياولدي ما تشيل هم بس انت وصاحبك عمر شدو لينا حيلكم في الجمعية دي باقي نحن الفلس هلكنا ..
هذه الجملة رفعت من روح عبد المعطي واستبعدت هاجس التنحي . وقالت نفسه الامارة بالخير من اجل هؤلاء يا عبد المعطي .. واصل كفاحك و خليك حريص .. 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق