الاثنين، 4 نوفمبر 2013

حرب داقس والعوراء

اتخذ داقس من سوق الخضار مسكنا ومرزقا ( اذا جازت التسمية ) .. اي الملجة ( لماذا في السودان يطلقون على اسواق الخضار الملجة ؟؟) المهم اخونا داقس لحقه هذا اللقب من سوق الخضار .. ويمكن عندما نقوص معه في حياته سنعرف السبب .. فهو شخص ضخم الجثة وتبدوا عليه البلادة والتخلف .. ولكن اذا تمعنت فيه اكتشفت انه يدعي التخلف بل هو زكي جدا وهي وسيلة من وسائل كسب عيشه والتحايل على الناس .,... فهو مستغلا كبر حجمه مدعيا بانه الحارس الامين لمساطب الخضرجية .. وان كان هو يحرسها من نفسه فقط .. لان من لايدفع له اجرته اليومية خرب له خضاره ومخزونه وادعى بان اللصوص تهجموا وهو غير معني بحراستها لانه لم يقبض اجره .. 
اما العوراء فهي من حاجات السوق بائعات الفول والتسالي والدكوة والويكة والذي منه .. امراه ضخمة ايضا وشرثه جدا وفقدت احدى عينيها في احد معاركها الضارية . فهي تدخل معاركها مع الرجال او النساء .. كانت في السابق احد اخصائيات الخمور البلدية . ولكنها تابت وعادت الى السوق لتعمل في الحلال وبعض مرات الحرام الخفيف من نوع ( شربوت لمدة اسبوع مثلا ) .كل الناس يتفادونها هي وداقس .. داقس عندما يشبك في احد صعب فكه .. لانه يضرب بكل شئ في يده .. معركته تحول سوق الخضار الى سلطة عشوائية يوجد بها البطيخ المفتح والشمام والعجور المكسر لانه داقس يمكن ان يرجم به خصمه ..
بين داقس والعوراء عداوة يشبهونا ناس السوق ( بالشحمة والنار ) فهي لاتطيقه ومسمياه التور ابو فقرة .. وهي يقول لك ( ما بكره شئ في الدنيا غير المره الطافية لمبة دي ..)
دقيقة ننقل الكاميرا ناحية العواراء يبدوا انها دخلت في شكلة مع احد الشباب ..
عوراء وهي تخنق ليها شاب صغير عمر خمسة عشر عاما : ماكلوا مالك ؟؟ تطلعوا الليلة .. وهي تشدد عليه الخناق من جلبابه ..
احد الخضرجية محاولا فك العوراء : يا عوراء حرام عليك فكي الولد ..
العوراء : تحرم عيشتك وعيشتو يا حاج خضر .. هو ياكل من الفول دا ليه يخمش وييمشي حق ابوه ..
الولد : يا حاجة معليش قلت نضوق بس ..
العواء : تضوق هنا مطبخ بتاع امك ..
حاج خضر : ياعوراء خلاص فكيه وانا بدفع ليك ثمن الفول .
العوراء : حاج خضر ابعد مني قبل ما اشبك فيك انت .. نحن الليل كله سهرانين ونقلي في الفول يجي اي واحد منه يشيل وياكل تكية هي ولا سبيل ..
عم خضر محاولا فكاك الولد والذي جحظت عيناه من الخنقة .. واخيرا افلح في جر الولد .. وهي لم تكتفي بالخنقة بل لحقته ضربة بكفها على وجهه .. الولد ما صدق انه فلت وجرى مبتعدا من المكان ..
العوراء التفتت لحاج خضر مشتبكة معه .. اها الولد فكيته يلا جيب الحساب ..
عم خضر : ماشي مافي مشكلة يلا الشوية الاكلها دي حسابها كم ؟؟
العوراء : شوية ؟؟ .. منو قال ليك شوية الولد دا خمش ليه يجي بحق خمستاشر الف ..
عم خضر : يات ولية ما تخافي ربك .. في زول يقدر يملا يده بفول قيمته خمستاشر الف ..
العوراء : شوف هنا يا حاج خضر وضغطي الارتفع دا ما عندو ثمن وزبائني الطفشوا ديل تقدر ترجعهم .. والوقت الضاع تقدر تعوضه لي .. و ...
عم خضر : خلاص خلاص اخذي حسابك كامل بس اهدي ..
في هذه اللحظة كان داقس يراقب الموقف من بعيد لم يقترب ولم يعلق وعندما حل الاشكال .. هذ راسه فقط يسارا ويمينا ممتعضا .. هذا كل ما فعله .. ولكن هذا فقط كان سببا في ان حديدة الفندك تتجه من قواعدها بين اواني العوراء نحو وجهه ومعها سيل الشتائم المعهود .( تهز راسك شنو يا تور انت تعال انت جرب شيل من الفول بتاعي يا حمار ) وتنطلق شكلة داقس والعوراء المعتادة لو لم يتدخل نفر كريم لما هدأ الوضع .
ومن هنا سيبدا مسلسل القصة الخضارية الضاربة في الجزر والفجل حرب داقس والعوراء . 
تفادى داقس قذيفة حديدة الفندك والمنطلقة من قاعدة العوراء الجوية باعجوبة .. ويبدو انه متمرس عليها او كان متوقعها .. وحديدة الفندك لغير اهلنا هي عبارة عن قطعة سيخ ضخمة يمكن تكون عشرة لينيا طولها شبر او يزيد تستخدم لسحق البهارات ( والمعارضين في بعض الاحيان ) داخل اناء خشبي مجوف يسمى الفندك ... كما ذكرنا قذفت العوراء داقس بحديدة الفندك لانها اعتبرت هزة راسه يسارا ويمينا عبارة عن سخرية منه عندما راى تصرفها حيال الولد المعتدي على ممتلكاتها الخاصة بحجة التذوق ( من حاسة الذوق وليس اللبس الانيق ) ..

بعد ان تفادى داقس حديدة الفندق بجدارة وحرفنه اشتعل غضبا وتناول بطيخة من اقرب بائع له ولم تفلح مقاومة البائع من اعفاء بطيخته من الدور النضالي لانه بعد ثواني كانت البطيخة منفجرة في الجدار خلف العوارء محولة كل المكان من حولها للون الاحمر القاني ( والله لا ادري ما هو القاني لكن الكلمة مرتبطة مع اللون الاحمر دائما ) مما زادت حسرة البائع وكثير من الزبائن .. وقال احدهم ( هسع لو اشتريناها ما تطلع حمرا كدا ).. 
العوراء : تضربني ببطيخة انا يا تور يا عجل ... متناولة في هذه المرة الفندك شخصيا ومهاجمة هجوم بري ناحية داقس .. والذي تناول ربطة من قصب السكر وانتظرها متخذا موقفا دفاعيا ومهددا بمنصة الردع التي في يده ..
بعد ان تدخل اهل الخير .. ( واهلات الخير ايضا ) لا تنسوا ان سوق الخضار يتكون من الجنسين النساء متخصصات في الكسرة والدكوة وبعض البهارات المسحوقه والمقهورة كالشمار مثلا والذي منه .. وبعضهن وخاصة صغيرات السن متخصصات في الشاي والزلابية .. اما العوراء فهي كانت اخصائية الفول السوداني بجميع مراحله التعليمية من فول ابو قشرة الى فول مقلي والذي يعرف في بعض مناطق السودان بال ( مررو) الى مرحلة الدكوة ( زبدة الفول او كما يقولون ) .. اما الرجال فهم اصحاب المساطب الجانبية للخضر والفاكهة...
عمنا عوض داقس ( اسمه الحقيقي ظهر) فهو مع عملية ( فيد باك اي نظرة تاريخية لحياته) والده كان صاحب مسطبة وكان زعيما للخضرجية . فتعود عوض ان يحضر معه للسوق منذ الصغر . في طفولته كان يستمد زعامته وسيطرته من والده .. وعندما شب عوده ( وهي شبة نصاح؟؟) اصبح يعتمد على عضلاته وعينه الحمراء وشرارة . اجر مسطبة والده لاحد الخضرجية واصبح يعمل في السوق بنظام الفتوة جامعا الاتاوة من اصحاب المساطب الاخرى بحجة الحراسة ... بعض الاحيان تساعده الظروف .. كان ياخذ احد الزبائن عجورة ويدخلها في قفته ( اناء يصنع من سعف النخيل لحمل الخضر والفواكه) في هذه الحالة يقفذ داقس مثل طرزان ما سكا يد اللص بصوت مزعج لافتا كل نظر الناس ليثبت جدارته . وفي النهاية يطالب صاحب المسطبة بملغ مكافاه يساوى اضعاف ثمن العجورة التي سرقت ..( والعجور نوع من الخضر بطعم ونكهة الخيار الا انه طويل التيلة والفتيلة ولونه فاتح يميل للاصفر )..

المهم كما ذكرنا تدخلت لجنة فض النزاعات المكونة من بائعي الخضر والفاكهة والنساء البائعات ..

بعد ان فض النزاع اجتمع الجمع من الطرفين يحصون الخسائر ويلعنون ( في سرهم طبعا ) داقس والعوراء .. كما جلس طرفا النزاع ارضا بانفاس لاهثه وكل واحد ينظر الى الثاني بحنق وحقد وعيون محمرة تشتعل غضبا 

اهل الخير من الرجال تولوا تهدئة داقس والحوار كالتالي ,,
عم خضر : معليش يا عوض ولدي والمره دي اعتبرها اختك الكبيرة ..
داقس : اختي شنو دي تكون اختي انا ...؟؟؟
عم علي : وبعدين يا داقس العوراء دي بتحبك جدا ..
داقس : حب شنو كمان يا عم علي ياخ وفي واحدة تحب ليها واحد ترميه بحديدة الفندك ومال لو كانت بتكرهني كان ضربتني بهاون يعني ..؟؟؟
عم عثمان : ماتنسى يا داقس انه هي حمقاء شديد ومولعة نار ما معاك انت بس مع كل الناس ..
وفي جانب النساء ننتقل الى هناك يدور الحوار التالي .
حاجة حبصة : يا عورا يا اختي انت مالك الولد ما بينزل ليك من زور انت عارفاه هو بيحبك وميت فيك ..
العوراء : يحبني ؟؟ يحبني شنو حباه برص اعور ( قالت هذه العبارة بصوتها العالي حتى وصل الصوت للطرف الثاني )
وعقب داقس : تااااااااااني اعور برضو ..؟؟؟؟
العوراء : شفتوه هو براه بدا الخطا متناولة كباية من كبابي حبصة ست الشاي وقاذفة بها في اتجاه الجمع الكريم والذين اخذوا ساترا في البدا ثم تفرقوا
لتشتعل الحرب من جديد ....مستخدمة فيها جميع انواع القذائف بما فيها القذف بالكلمات ..
داقس : وهو يرسل قفة طمطام محملة بالوقود ناحية العوراء : يا مره يا مجنونة هسع انا اتكلمت معاك ..؟؟؟
العوراء وهي تقذف براد الشاي بعد ان قضت على الكبابي : انت قايلني ما بفهم ولا ما بحس تقول لي اعور تااااااااني يا تور يا عجل ..
هذه المره لم يستطع مشايخ السوق فض النزاع مما اضطر احدهم لابلاغ الشرطة لتحضر قوة تنقسم لقسمين كل مجموعة تتجه ناحية احد طرفي النزاع ويتم رفع داقس والعوراء في سيارة الشرطة متجهين بهما ناحية القسم ..
وصلت سيارة الشرطة الى المركز ..

وادخل داقس والعوراء الى مدير القسم ..

وبادرهم الظابط غاضبا جدا ..

الظابط : علوية العوراء وعوض الداقس كرهتوني عمل الشرطة واليوم الدخلت فيه كلية الشرطة .. هو نحن ما عندنا شغل غيركم .. كل اسبوع جايبنكم لي في نشكلة .. وانتو معاركم دي ما بتنتهي .. وانا في النهاية حا اضطر انقل واحد فيكم للسوق المركزي ..

داقس : تنقلوا كيف يا جنابو هو نحن عساكر عندك ولا شنو ؟؟

الظابط : اخرص يا حيوان انقلك وانقل ناظرك ولا ممكن اصدر اوامر انه انت بالذات ممنوع تدخل سوق الخضار سامع ولا لا ؟؟..

داقس : لا انا ما قصدي اقول انت ما بتقدر بس عملية النقل دي بسمعها عند المظفين فقط ونحن ناس على باب الله نجي الملجة نلقط رزقنا من الصباح مرة نلقى ومرة ما نلقى حاجة ,,

هدا الظابط بعد رد داقس الدوبلماسي وهمس في نفسه قائلا ( والله الرجل المدعي الهبل دا ما ساهل وفي راسه كلام كثير جدا )

الظابط موجها كلامه هذه المرة لعلوية العوراء : وانت كمان يا علوية ليه ما قادرة تتحملي اي كلمة من عوض دا .. وانا سمعت انه انت قذفتيه بحديدة الفندك مجرد ما هذ راسه فقط ....

في اللحظة التي كان يتحدث فيها الظابط مع علوية العوراء كان عوض الداقس ينظر اليها بنظرة مختلفة ويهمس في نفسه .. اول مرة يلاحظ انه عوضية العوراء فيها شئ من جمال .. بل هي جميلة لولا عينها التالفة ووجهها الملئ بالجروح والكدمات .. ولكن لها قوام فاتن وجسم ممتلئ ربما لم يجروء احد لذكره او التمعن فيه خوفا من شرها لكن الحق يقال هي انثي مكتملة وبقلب لبوة شرثة ..في تلك اللحظة سرح داقس وبدا صوت الظابط يخفض في سمعه حتى قفل تماما واصبح عبارة عن شفاه تتحرك وحركات باليدين .. اما عوض فهو سرح في اكتشافه الجديد وخاصة بانه تجاوز الثلاثين ولم يفكر في الزواج قط بل ظانا بانه لا احد يرقب في نسبه .. لروحه الشريرة.. لكن هاهي العوراء وقد قيل له من قبل انها تحبه ربما حربها وقذائفها طريقتها في التعبير عن هذا الحب ومن باب من الحب ما قتل .. وصل لهذه النقطة وبدا يتبسم ..

في هذه اللحظة نظرت العوراء الى داقس نظره مختلفة ايضا وهمست في نفسها .. فقط لو يفهم هذا التور كم هي متيمة بجسمه الضخم وتخويفه للرجال .. ولا شئ يضايقها منه سوى نظرة الشماتة الساخرة والتي لا تتحملها منه كل ما دخلت في معركة من معاركها .. لكن متى ينتبه لهذا الحب .. ومتى هي تتحكم في نفسها الشرثة ولو للحظة لتعلن له بانه لا توجد امراه في الوجود سواها يمكن ان تطيق عوض الداقس وترضى به زوجا ..

ونعود لداقس : يقول في نفسه يا ترى هل تقبل به العوراء زوجا لها .. وخاصة انها تملك وضعا خيرا من وضعه فهي تمتلك بيتا ورثته من امها ..

لم يستيقظ الاثنان الا على صرخة الظابط التي اعادة صوته لمسامعهما ..

: قائلا : سامعين الكلام دا ولا ما سامعين ..؟؟؟؟؟؟

التفت الاثنان الى الظابط بهبل لانهما لمم يسمعا اي كلام .. اخيرا حتى يتم قفل الباب هز الاثنان راسيهما بالايجاب رغما عن انهما لا يعرفان عن اي كلام كان يتحدث الظابط .. لان كل واحد منهما دخل في عالم ثاني .. وكما قيل ان بين القلب والقلب رسول تستطيع ان تقول قد حس كل واحد منهما بالاخر ..
تفاجا الاثنان بان الظابط قدم لهما تعهد ليوقعانه .. ومسك كل واحد منهما الورقة ووقعها دون ان يقرا تفاصيلها .. كانهما على موعد آخر واهم ..
وقبل ان يعتبا باب مركز الشرطة التفت داقس الى العوراء وفاجاها قائلا
علوية تتزوجيني ..؟؟؟؟؟؟؟
علوية : في نفسها اخيرا جيت يا ابن ال
كما ذكرن فاجا عوض داقس علوية العوراء بطلب الزواج منها .. وهي حبست الكلمات في حلقها ولم تجد ردا سوى التبسم وكان اكثر تعبيرا من الكلام .. ولكن من كان اكثر دهشة هو الظابط ... اول مرة يشاهد اناس يوقعون على تعهد دون حتى ما يقراوه وكذلك حيرته تلك البسمات المتبادلة ..

وخرج خلفهم وهو واقف في باب المركز شاهد عوض داقس يوقف تاكسي ويركب الاثنان لا يدري الى اين يتجهان لكن تحس انهما يحفهما الرضا والفرح .. ودخل الظابط عائدا الى مكتبه يصفق يديه في تعجب .

نعود الى العشقين اللدودين ..

طلب داقس من سائق التاكسي ان ياخذهما الى مطعم في شارع النيل بعد ان دعى علوية ووافقت وهي في قمة السعادة ..

جلس الاثنان في المطعم وكل منهما يكاد يلتهم الاخر بنظراته ..دون كلام ..

قال عوض حتى يفتتح الحوار من جديد .. : ما سمعت رايك في الزواج .
علوية تفتكر بعد دا كله تحتاج لرد ..
عوض : انا عاوز اسمعها منك بالكلام ..
علوية : الظاهر عليك انت ما بتفهم الا بحديدة الفندك ..
ضحك عوض باعلى صوته : مكملا بالله في واحدة تحب واحد ترميه بحديدة فندك .. انا كان ممكن اروح فيها اليوم ..
علوية : وانا لو كنت عاوزة اضربك ما كان صرخت فيك كان رميتها وانت ملتفت ..
قطع الحوار الجرسون وهو يحضر لهما وجبة الغداء 
وضع لهما الجرسون الغداء الدسم يليق بمشروع عرسان جدد ..

وواصل عوض الداقس مستانفا الحوار : تفتكري يا علوية انه عنفك معي ومعاداتك الزائدة لي من دون ناس سوق الخضار الباقين هي كانت حب .... انا عمري ما خفت من رجل ولا حتى اسد لكن كنت بخافك وبتحاشى حتى النظر اليك .. انا اليوم فقط اكتشفت انك انسانة جميلة ..

العوراء : الخوف نفسه هو صورة من تعبيرات الحب .. انت ماكنت تخافني لكن كنت تخاف تفضح نفسك بحبك لي ..

عوض : الحب عمره ما كان خوف فهو مرتبط بالشجاعة منذ ايام عنترة بن شداد بل الحب هو امان واحد من الاشياء التي تجدها فيمن تحب هي الامن والامان ..

علوية : لكن الرجال يحبون الحب المرتبط بالخوف ولا يحبون الحب الذي يوفر الامان بدليل انه المتزوجون يتركون زوجاتهم الآمنات في البيوت ويجرون بحثا عن حب المغمرات في الشوارع وفي الطرق الملتوية معرضين انفسهم وسمعتهم للخطر لانهم سئموا الامان ..

عوض : حب المغامرات ليس له علاقة بالعاطفة هذا ادمان مرضي قائم لوحده . وهو لا يختلف كثيرا عن حب الملياردير للعب القمار والميسر .. هو ليس عشمان في ان يكسب من القمار لانه عنده مصانع ومؤسسات تضخ له ملايين ولكنه ادمن التوتر وتعريض نفسه لخطر الافلاس لذلك هو يحب القمار والميسر . والشخص الذي يبحث عن الحب في الطرق الملتوية هو كذلك يبحث عن نفس الشئ .

علوية : تقصد يا عوض انه انا عندما رميتك بحديدة الفندك كنت انوي اقتلك او آذاك وكنت بكرهك في تلك اللحظة ؟؟

عوض : لا انت رميتيني بالحديدة وانت كنت تحبيني فعلا .. لكن رميك لي بالحديدة ما كان تعبيرا عن هذا الحب انما كنت انت تحاولي ان تطردي احساس حبك لي من نفسك .. لاني كنت الرجل الوحيد الذي يشعرك بانوثتك .. وهذا هو الشئ الذي تحاولي انت ان تتنكري له وهو سبب معاركك الضارية مع الرجال .. فانت كنتي تقاومي وترفضي فكرة انك امراه ضعيفة .. واكيد يوجد اسباب لهذا الاحساس وانا ما ناوي اعرفه الان .. 

هنا تفاجا عوض بان علوية العوراء وضعت يديها في وجهها ودخلت في نوبة بكاء شديدة تؤكد بان عوض قد نكأ الجرح فعلا ..
عوض الداقس لمس الوتر الحساس في علوية العوراء عندما نبهها الى عقدتها من الرجال بالصورة التي فاجاتها وجعلتها تدخل في نوبة بكاء شديد لاول مرة وامام رجل .. واي رجل الرجل الذي ظلت طيلة معرفتها به الا تلين امامه ولا تضعف هاهي الان تبكي من كلماته وتهد كل صلابة زائفة ادخلتها في شخصيتها .. لتكشف بانها انثى ورقيقة جدا مثل باقي النساء يمكن ان تبكيها كلمة وتدميها ورقة ..

رفعت راسها وفاجات عوض بسؤال لم يكن يتوقعه وقالت له : أنت مين ؟؟؟؟؟

عوض باستغراب : انا عوض الداقس ..

قالت : له انت آخر رجل يمكن ان يكون داقس في الدنيا دي ..(داقس مصطلح سوداني بحت يعني الشخص سازج مع قليل من البله .. ولكن ليس لدرجة التخلف .. بمعنى آخر يسهل ترضيته واقناعه كما يسهل اغضابه وتضليله) ولكن استحلفك بالله قل لي من انت ؟؟.. والكلام القلته من شوية لايطلع من شخص داقس او حتى شخص عادي ..انت انسان متعلم مثقف من وين جبت الكلام دا . وانا لمن وافقت على الزواج منك كنت مقتنعة بك كعوض الداقس لكن انت الان شخص مختلف قدامي ..الان لازم اعرف انت مين والا انسى فكرة الزواج ...

عوض بعد ان سكت فترة قصيرة وهذ راسه من اعلى لاسفل كانه يريد يسرد حكاية طويلة ..وبدا يتحدث فعلا .

قائلا : انا عوض ولد عثمان صالح شيخ الملجة وسوق الخضار .. اصر على والدي في ترك المدرسة مبكرا والالتحاق معه بسوق الخضار حتى اورث منه مشيخة السوق .. وانا كنت تلميذ شاطر ومتفوق .. ولكن كل هذا لم يشفع لي مع رغبة ابي واصراره وخاصة لاني ابنه الوحيد والباقين بنات .. وانا اخيرا من اولى ثانوي طعت ابي وتركت المدرسة النظامية .. ولكن بمساعدة استاذ صلاح ومدير المدرسة كنت احضر الدروس في المساء واذاكر بعد ما اروح من سوق الخضار .. زي ما تعرفي انه سوق الخضار يقفل من المغرب .. وواصلت بهذه الطريقة الى امتحنت الشهادة ونجحت ودخلت ايضا الجامعة بالانتساب ودرست علم نفس .. وكنت راغب شديد ومولع بعلم النفس .. قبل ما اتخرج توفى الوالد .. واصبح ليس امامي غير انه اتفرغ للعمل حتى اعول باقي الاسرة .. ولكن ما وقفت من الاطلاع .. ولكن نفس رايك هانا احول ليك السؤال من تكوني انت لانه فهمك لتحليلي يدل على انه داخلك فتاة متعلمة وخاصة بعد بكاك انا كمان عاوز اقرا كتابك ..
علوية : انا خليني الان واكيد ما راح اخبي منك شئ لكن عندي اسئلة مازلت عالقة .. اولها كيف انت قدرت تخفي شخصيتك المتعلمة المثقفة في شخصية عوض الداقس الاهبل القوي العنيف ..

عوض : مثل ما ذكرت لك انه انا تخصصي علم نفس وانا دارس شخصية عوض الداقس تماما لذلك استطعت ان اسيطر عليها دون ان تفلت مني معلومة تدل على علمي سوى حديثي معك اليوم ..
علوية : صدقني انت فعلا شخص ما عادي ورغما عن انه لازال داخلي اسئلة كثيرة لكن احسن نمشي لانه الليل اقترب ..

عوض : قبل ما نتحرك نحن ما حددنا برنامج العرس .

عوضية العوراء : برنامج العرس كان لمن كنت انا العوراء وانت الداقس .. لكن الامر اختلف الان .. انت ما عاوز تعرف انا مين ؟؟؟

عوض : معك حق ................. انت مين ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ 
خرج العاشقان العدوان من المطعم واقترح عوض على علوية لو يركبوا تاكسي لكن هي فضلت المشي حتى يكملوا ما بدا من حوار بينهما وخاصة انهم قريبين من السوق ..
وفعلا قال لها هو متشوق ليعرف قصتها ومن تكون كما قالت هي من قبل.. وبدات علوية الحديث .
قالت :نحن اصلا من اطراف السودان وعندما حدثت موجات الجفاف والمجاعات هاجرنا الى الوسط لنحتمي بالنيل مثل باقي اهلنا في السودان . وبما انه اهلنا عملهم كان يعتمد على الزراعة المطرية الموسمية والرعي وما كنا نشتري شئ من اكلنا ومن السوق لا نشتري سوى الملابس لانه كل مصادر اكلنا من انتاجنا .. وعندما هاجرنا بعد المجاعات فقدنا كل شئ .. وجئنا في السكن العشوائي في اطراف المدينة بنينا اكواخ مثل الناس الموجودين وسكنا فيها .. ابي نتيجة للصدمة اصبح مدمن خمر كل يوم يخرج من الصباح يشتغل قليلا في الحفر والنظافة وما يجمعه يغشى الخمارات ويسكر ويعود محولا البيت اقصد الكوخ لجحيم .. وهو اصلا ما كان ينقصه جحيم ... ,يضربنا انا وامي واخوتي الصغار لاتفه سبب ..و اخيرا تعرض لحادث سيارة وتوفى .. امي في الاول امتهنت بيع الكسرة البلدية ولكن في سوق صاحبت مجموعة من النساء الشريرات واللاتي يتخذن من بيع الكسرة ساترا ( الكسرة خبز سوداني يصنع من الزره الرفيعة وليس من القمح ) لترويج وبيع الخمور البلدية .. تعلمت امي منهن الصنعة بل اصبحت اشهر وتحول بيتنا على علاته لخمارة .. واصبح البيت يرتاده السكارى من كل صوب .. انا تمردت على الوضع واحتجيت على امي في انه نحن اللقمة الشريفة من بيع الكسرة حرمتنا منها وحولت حياتنا لجحيم بزبائنها .. نحن كان عندنا سكران واحد كرهنا العيشة اما الان فكل يوم اشكال جديدة .. امي لم تسمع كلامي واصرت على المواصلة وخاصة بعد ما رات الاموال بدات تتدفق عليها . واشترت قطعة الارض وشرعت في بنائها .. 
انا في تلك الفترة كنت منتظمة في دراستي .. بل المدرسة كانت بالنسبة لي هي المفر والملذ الامن الذي اهرب له في كل صباح لاعود في المساء اعاني من جديد ..ولان المذاكرة والقراءه كانت مهرب بالنسبة لي تفوقت في الدراسة .. والتفوق نفسه كان ساترا لواقعنا القبيح والمرير امام معلماتي على الاقل .. لان بنات الاسر كنا يتحاشين التحدث معي ويبدو بتحذير من اهلهن بان يبتعدوا عن بنت صانعة العرقي .. انا كنت احمل هذه المرارة واحاول تعويضها بالتفوق ولكن تفوقي لم يشفع لي ولم يصنع لي ولو صديقة واحدة احكي لها همومي ... كل البنات كنا يرين انهن اشرف مني وارفع مكانا .. لذلك انا رايت انه كتب المدرسة ما عادت تكفيني لذلك اخذت الاموال من امي ووجدت طريق آخر للمكتبات وكنت ادفن باقي اليوم في كتب المكتبة .. وقرات كميات ضخمة من الكتب .. امي ما كانت تعترض على قراءتي وكانت تعتقد ان كل شئ اقرأه هو مقرر مدرسي وكانت تظن وتؤمن ان القراءه هي مخرجي الوحيد من هذا الوحل والمستنقع الآثن ...
امي لم تكن ترقمني على مساعدتها في عملها .. بعد الرجال كانوا يعاملوني كبنتهم والبعض الاخر كانوا ذئابا .. وطالما انا موجودة في بيت صاحبة الخمارة اذا لابد ان اكون جزء من وجبتهم المدفوعة الثمن .. بعضهم حاولوا يتغزلوا بي .. وكنت ازجرهم بل بعضم اضربهم اذا تجرا ومد يده نحوي .
الا ان كان يوم وهو اليوم الذي فقدت فيه عيني .... وامي
في تلك اللحظة :
وصل العاشقان قرب سوق الخضر ووجدوا الجميع في انتظارهم .. ورغما ان حديث العوراء كان مشوقا الا انه عوض لم يجد فرصة لسماع الباقي .. لانهم اصبحوا امام سوق الخضر والجميع في انتظارهم .. تفاجا الجميع بالحميمية التي ظهرت للعدوين .. دخل عوض وعلوية على اهل سوق الخضار والجميع في اندهاش ونطق عم خضر قائلا .. وين كنتم شفقنا عليكم وانا رجعت المركز وقلت الظابط يمكن حبسكم ... 
نظر عوض الى علوية وابتسم الاثنان واتجهوا صوب بضاعة علوية والتي بدات تجمع في اغراضها وعوض الداقس وتحت دهشة الجميع ايضا جلس معها يساعدها .. وعلوية اعتذرت لحبصة عن التلفيات التي احدثتها لها في ممتلكاتها جراء المعركة التي دارت في الصباح .. ووعدت بتعويضها .. حبصة لم تملك كلاما وكانت مندهشة وفاغرة فاها اول مرة تسمع اعتذارا من العوراء .. لا احد كان يظن بان داخلها يوجد انسان عادي يحن ويرق ويشفق ويندم .. كل الذي يعرفونه عنها تلك الصورة المتوحشة والشرثة .. وحبصة كانت تظن ان خسارة الكبابي فقط من هذه المعركة يعد سلامة من علوية والجميع يعمل بالشعار السوداني الذي يقول ( الجاتك في مالك سامحتك ) تحت شعار هذا المثل العجيب تهضم كثير من الحقوق وتذوب في عالم السماحة الاعرج .
ذهب عوض ايضا الى المتضررين من اصحاب الخضار واعدا اياهم بالتعويض ومعتذرا عن الذي جرى وكان يجري من زمان ...
بعد ان جمع اغراض علوية معها اوقف سيارة لتوصيلها الى المنزل وساعدها في رفع القفف ومودعا اياها وواعدا لها في اكمال الحديث قي اليوم الاخر . وانتظر ملوحا لها بعد ان تحركت السيارة غير مكترث من نظرات التعجب والاعجاب التي تكاد تخرق ظهره ..
كان يتمنى لو يركب معها ويسمع باقي القصة .. ولكن خاف ان يلوثها بالظنون وهي ( ما ناقصة ) 
تحركت علوية بالسيارة وهي تتمنى الا تفعل وتحس كانها تركت قلبها في يد ذلك الرجل الداقس العجيب والذي لم يفصح الا قليلا عما يحمل وهذا الساحر الكتوم والذي ظل لسنوات يدعي الهبل والتخلف ويعيش على الاتاوة والفتوة وما تجنيه عضلاته من ارهاب .. هي الان الشخص الوحيد الذي كشف هن جزء قليل من داخل عوض الداقس .,. بل هذا الجزء القليل كفيل بان ينير عقل كال من هو الان موجود بسوق الخضر ..
والى اللقاء 
يا احلى عوراء
قالها عوض في نفسه بعد ان اختفت السيارة في اللفة .
وفي اول ليلة بعد آخر حرب ..

انفض كل اهل سوق الخضر .. وتفرقوا لمنازلهم .. وبقي عوض الداقس .. لانه كما ذكرنا جعل مسكنة سوق الخضر .. بعد ان تزوج اخواته ورحلن لبيوت ازواجهن .. هو اجر بيت والده كما فعل مع المصطبة .. استخرج سريره من مكانه المخصص ووضع فرشه .. واستخراج كتابا من كتبه التي اعتاد الاطلاع عليها قبل النوم .. ولكنه لم يستطيع التركيز لا في القراء ولم يحس بالنعاس .. بل شعر ان عقله اشتعل وبدا يعمل بطاقته القصوى ... وهو يفكر في هذه العوراء .. ويلوم نفسه كيف لم ينظر لها قبل ذلك تلك النظرة التي فجرت فيه اشياء كثيرة كانت ساكنة ومهملة منذ زمن بعيد .. كما فكر فيها كيف هي واجهت صعوبة الحياة وقاومت ورغما عن انها الى الان لم تقل له كيف فقدت عينها .. ولكنه شعر بان هذه العين راحت ثمنا لشئ غالي جدا لا تساويه كنوز الدنيا .. بنت ظلت طيلة عمرها منذ ان عرفت انها انثى تقاوم في الرجال ووجدت نفسها تعيش وسط مستنقع آثن الشر يحيط بها من كل جانب وذئاب تنظر اليها بشهوة ولا احد يدافع عنها وصدق من قال ان لم تصر ذئبا اكلتك الذئاب ..
استمر عوض يفكر حتى داهمه النوم
في الصباح الباكر
قام عوض كالعادة مع صلاة الفجر .. وبعد ما ذهب للمسجد القريب صلى وعاد الى السوق كعادته حيث يجلس عند حفصة يشرب منها الشاي مع قطع الزلابيا كوجبته اليومية .. ولكن تفاجا بان علوية نفسها حضرت مبكرة جدا كغير عادتها فهي عادة تاتي بعد شروق الشمس .. وجلست بعد ان انزلت قفافها من السيارة وبدات ترصها ذهب عوض ناحيتها ليساعدها ويستفسر عن سر حضورها المبكر من دون الايام ... وقالت له هي اصلا لم تنام ظلت تفكر حتى الصباح في احداث الامس .. وكيف تطور الامر بينهما بعد ان كانا اشهر عدوين بالسوق ..

قال لها عوض : هو نفسه نام بصعوبة نوما متقطعا وكان يتعجل شروق الشمس حتى يراها وها هي تحضر حتى قبل شروق الشمس ..

بعد ان انزل اقراضها معها قال لها انه لم يعد يطيق الصبر ومتشوق لسماع باقي قصتها قبل ما يتجمع ناس السوق واحسن شئ طالما هي حضرت مبكرة ..

وبعد ان جلست العوراء في مقعدها ورصت بضاعتها .. دخلت في موجة اكمال القصة ..

وقالت : كان احد السكارى وهو من زبائن امها شخص سئ كثيرا ما يتحرش بها ويغازلها .. وفي يوم ما وامها غائبة في مشوار حضر هو وهاجمها محاولا اغتصابها وهي قاومته بكل شدة الا ان فلت منه صباعه وغرص في عينها وفقئها .. وهي ظلت تصرخ من الالم الشديد وتجمع الناس والجيران وانقذوها من السكران .. وحضرت امها في تلك اللحظة وبعد ما تم نقلها للمستشفى .. شفيت هي ولكن اصبحت بلا عين .. اما امها فاصابها الشلل لانها رات انها هي السبب .. و قالت لاني بقدر ما حاولت ان انشلها من هذا المستنقع الغذر كانت هي تصر على المواصلة بحجة انه ليس لدينا مصدر رزق غيره .. امي لم تعد تتحمل ان تراني بعين واحدة انتشرت قصتي وتركت انا الدراسة قبل امتحان الشهادة الثانوية باسبوع وبعدها توفت والدتي .. وتركت لي مسئولية الصغار لوحدي .. اول خطوة خطوتها هي الخروج من هذا المكان الغذر .. ولحسن الحظ كانت امي قد اكملت بناء البيت وكانت على وشك ان تؤجره حتى تستفيد من دخله .. نحن انتقلنا للبيت في حي جديد وبعيد جدا عن ذاك المستنقع .. وحرصت انا على تعليم اخوتي وتحمل المسئولية ... وفي ذات الوقت تطور لدي ونمى جدا كرهي للرجال .... بدءا من والدي ومرورا بذاك السكران الذي فقدت بسببه عيني وامي .. وهذا هو الجرح الذي نكاته انت عندما حللتني وقلت انا عندي عقدة ضد الرجال ..انا في الاول فكرت انه ابيع الشاي في موقف الشحانات ولكن تفاجات بوسط هناك لا يقل عن زبائن امي وكلهم ينظرون الي نظرة الذئاب وتعبت من الصراع .. الى ان نصحتني احد الاخوات بان اذهب وابيع في سوق الخضار لانه هناك كل الناس محترمين .. وجئت الى هنا كماتعرف من سنة او اكثر وشاهدتك انت .. ابت تمل عيني الواحدة من النظر اليك .. لذلك كانت مشاعري تجاهك محيرة الى آخر لحظة ماكنت اعرف هل انا بحبك ام بكرهك .. المهم كل ما اراك احس بان جسمي اشتعل نارا واكاد اتناول اي شئ وارميك به .. الى ان جيت انت يادكتور يا نفسي وشرحت لي نفسي .. وقلت انه انا بحبك ولكن اخاف من هذا الحب واقاومه لانه احس بانه ضعف تجاه الرجال .. وانت عرفته بخبرتك ووضعت العقدة في المنشار ولكن ماكنت عارف السبب ..
وانا اعتقد بعد ما عرفت قصتي تكون استبعدت فكرة الزواج من راسك خالص .. وبديت تنظر لي كخضراء الدمن .. واكيد انك تفضل البقاء من غير زواج على ان تتزوج مثلي .. تعرف الفرق بيني وبينك هو انت اخترت حياتك بنفسك .. كان ممكن تعيش في بيتك وتتزوج اي واحدة تتمناها وتعيش مثل والدك .. لكن انا كنت رافضة حياة امي وما استطعت ان اجد لها بديلا بسبب حكم المجتمع القاسي .. المجتمع كان يدفعتي دفعا بالقوة لاسلك سلوك امي وانا رفضت ورغما عن اني فقدت عيني لمقاومتي واصراري على الرفض .. انما العين التالفة اصبحت رمزا للشر بدلا ان تكون وساما للشرف في وجهي .. ..
رفعت علوية راسها لتفاجا بان عوض خدوده تسيل دموعا .. حتى لم يستطع ان يرفع راسه ليواجهها ..
وقال لها : علوية انت اشرف وانقى امراه عرفتها في حياتي .. وياريت لو تتواضعي وتقبلي تتزوجي واحد مثلي .. بل هذه العباره مفروض تسمعيها من اكبر شخص في البلد مكانة .. للاسف انه الناس وسائل تقييمهم لبعض اصبحت ظالمة ..
وللمره الثالثة علوية ارجوك وافقي اتزوجيني على الاقل نكمل مشوار الحياة القاسي مع بعض .. صدقيني نحن حياتنا ليست كلها مرة بل نحن حياتنا بطعم ونكهة ثمر اللالوب مرة وحلوة ورغما عن ان المرارة فيها اكثر الا انها مستساقة ولذيذة ..
ابتسمت علوية لهذا التعليق ..
وقالت :اذا نكمل اللالوب مع بعض مافي مانع
( اللالوب هو ثمرة شجر الغابات الذي يعرف بالهجليج ويعتبر من الثمار البلدية التي توجد في السودان فقط طعمها خليط بين الحلاوة والمرارة و لها قشرة صلبه 
اندمج عوض وعلوية في الحديث الهامس ولم ينتبهوا الى انه اهل السوق بداوا يتجمعون ويفتحوا محلاتهم .. والكل مستغرب للحديث الهامس الذي يدور بين العدوين اللدودين وتتخلله ضحكات بعض مرات .. فجاه رفع عوض راسه ليكتشف بانهما اصبحا محط انظار الجميع . وقام عوض مسرعا وهو واقف قائلا لعلوية : بعد الزواج تاني سوق مافي تفضلي في البيت تربي الاولاد وانا علي جمع الرزق ..
قالت : ما في مانع بشرط انت تبطل شغلك الحالي وتشتغل تبيع مثل باقي الناس ..
وقال عوض : هذه اول خطوة انا فكرت اعملها ومن هنا رائح لعم عثمان مؤجر مسطبتنا .. انه لازم يخليها لي نهاية الشهر ...
وفعلا قام عوض اولا متجها ناحية عم خضر والذي تزعم مشيخة السوق بعد وفاة والد عوض ولاحظ زهد عوض فيها .. واخبره بالمفاجاه ودار بينهم الحوار التالي ..
عوض: السلام عليكم يا عم خضر .
عم خضر : اهلا يا عوض ولدي امس ما سالنك المشكلة وصلت وين شايفك من الصباح ترضي في العوراء لعلها ما فتحت فيك بلاغ ولا شئ ؟؟.
عوض : لا يا عم خضر .. وانا جاييك في موضوعين .. الاول اهم لانه انا عاوز افتح مسطبة ابوي وابيع زي زيكم .. عاوزك تكلم عم عثمان عشان يفضيها لاني انا محرج منه ..
عم خضر : ما شاء الله والله دا اسعد خبر سمعته والخبر الثاني شنو ؟؟
عوض : انا عاوز اتزوج واستقر زي باقي الناس ( قصد عوض ان ينقل المفاجاه لعم خضر في جرعات ) ..
عم خضر بعد ما اشرق وجهه بابتسامة عريضة ( الظاهر عليه عنده حاجات بايرة في البيت ) ابشر يا ولدي انت بس اشر وانا ليك علي ازفها وادخلها ليك في بيتك .... اها ومين سعيدة الحظ دي ..
عوض : هي علوية العوراء ..
عمر خضر مندهشا وجاحظا عينيه ..: يا راااااااجل ..
خرجت الكلمة بصوت عالي لفتت نظر علوية والتي عرفت بغريزتها ان الحديث يدور حولها وخاصة بعد ما التفت عم خضر ناحيتها والتفت الى عوض مواصلا حديثه .
قال: علوية العوراء الشريرة المسترجلة الما معروف اصلها من فصلها ما غيرها ؟؟..
تفاجا عم خضر بنهرة من عوض : احترم نفسك يا عم خضر .... واستدرك .. آسف في الحقيقة علوية دي اشرف امراه انا عرفتها في حياتي .
عم خضر ويبدو عليه الغيظ : هو انت عرفت حريم وين ما طول عمرك مقفول في سوق الخضار .. وهو سوق الخضار فيه حريم غير ستتات الشاي والكسرة والويكة .
عوض بدا يتضايق من عم خضر : عم خضر انا حبيت اعلمك من باب العلم بالشئ ما جيت اشاورك او اخذ رايك باعتبار انك كبيرنا هنا في السوق فقط .. لو ما عاوز تتولى الموضوع وتكلم الناس .. في ناس كتار وممكن يتولوا المهمة في سرعة البرق .. ونحن ناوين نعمل العقد هنا يوم الجمعة ( رغما ان عوض لم يناقش هذا الامر مع علوية الا انا عم خضر اثاره ولذلك قرر ان يحسم الموضوع )
عم خضر خاف ان زمام الامور وزعامة السوق تفلت من يده لو تولى شخص آخر زواج عوض الداقس من علوية العوراء ..واستدرك : قائلا لا لا لا يا ولدي .. انت ولدي الوحيد وانت عارف انه انا ربنا ما رزقني اولاد بنات بس ( تلميح زكي وغبي ) وانت زي ولدي وما في حد حا يعرس ليك غيري ...
وهنا رجع عوض لعلوية وقال لها انه عقد زواجنا سيكون يوم الجمعة ... تعرفي اي واحد من اقاربك ممكن نتقدم له .. قالت انه عندها عم متنكر لهم منذ حياة والدهم وحتى بعد وفاته لم يسال عنهم ولا تعرف له مكانا .. وقال على كل حال نحن زواجنا يوم الجمعة عندك مانع ؟؟ هذت راسها بالنفي وهي تتبسم خجلا ..

ورجع عوض لعم خضر واخبره بموافقة العروس ..

وصعد عم خضر في اعلى مسطبته وبدا يصفق حتى هدات همهمة السوق تماما ووقف الناس منصتين وقال لهم : اسمعوا يا اخواننا ... ابننا عوض الشهير بعوض الداقس وبنتنا علوية الشهيرة بالعوراء .. كلكم بتعرفوهم معنا هنا في السوق .. وانشاء الله حيكون زواجهم يوم الجمعة هنا في سوق الخضار .. بعد صلاة العصر حنعقد لهم هنا وكلكم تحضروا ..
صدرت همهمات من اهل السوق هي مزيجا من الاستهجان والاندهاش والاستغراب .. وتلفتت الرؤوس وصفقت الايادي استعجابا واستغرابا .. غطبت وجوه وتبسمت اخرى .. وسط هذا الاندهاش انطلقت زغرودة من حفصة بائعة الشاي وتلتها عدة زغرودات وبعدها انهال الناس على عوض وعلوية يباركون لهما ..
وبعدها ذهبت علوية الى بيتها اذا انه اليوم الاحد لم يتبقى لها الا ايام قلائل تحاول ان تستعد قدر الامكان فيها .. ذهب معها بعض صديقاتها الشابات من بائعات الشاي ..
اما عوض جلس في وسط السوق و (الخضرجية ) ملتفين حوله تدور في رؤوسهم اسئلة كثير ولكنها تابى ان تخرج خوفا من بطش عوض .. هم لم ينسوا انه هو لازال عوض الداقس الرجل المتهور الذي يمكن ان يقذف باي شئ يقع في يده .. بعضهم حمد الله في ان عوض هذا لم يكون ميكانيكي في ورشة والا كان ضحاياه بالالاف .. اما هنا فالاصابات لا تتجاوز البطيخ والقرع ..
النهاية في يوم العرس
عدت الايام سريعا لياتي يوم الجمع الموعود .. حقيقة تلك الايام لم تعدي بدون عمل او نشاط .. اذا ان عوض تحرك فيها حركة مكوكية منها ابلاغ اهله واقناع اخوته بعروسته .. وقبولهن على مضض كشئ طبيعي ومتوقع .. لكن على رايهن هي افضل من سكنة السوق .. على الاقل يكون عنده بيت واسره .... وكذلك اشترى عوض بصحبة اخوته ملابس الشيلة بعد ان جمع كل مدخراته والايجارات المستحقة من ممتلكاته تجمع عنده مبلغ غطى تكاليف الزواج .
اما هنا اهل الملجة ( سوق الخضار) نظفوا الميدان المجاور لسوق الخضار واحضروا الصيوانات والكراسي ونصبوها .. وحتى الوليمة لم تكلف كثيرا لان الجزارين وهم رفقاء درب الخضرجية احضروا الخراف مذبوحة هدية من عندهم كما تولا الخضرجية جانب الخضار .. وقام النساء البائعات بدور الطبخ ..
وفي ذلك اليوم تم دعوة معظم تجار السوق وتم عقد القران بسوق الخضر حيث يسكن ويعيش ويعمل عوض .. وفي حوالي الساعة اثنين تجمع المدعوون .. وانتشر الخبر في المدينة اذا انه اول مناسبة خاصة تقام بالسوق ..
وبعد صلاة العصر وبالمسجد المجاور تم عقد قران عوض الداقس على علوية العوراء .. ومنها سافر الزوجان لقضاء شهر العسل بمدينة اخرى .. وبدات مرحلة جديدة لحياة معقدة وتقاطع كثير من الخطوط المتشابكة والاسئلة المحيرة التي تكمن خلف الانسان ككائن غريب ملئ بالمتناغضات .. وهل يمكن ان تنقلب العداوة الى محبة ام ان العداوة هي اصلا درجة من درجات الحب .
ترك عوض وزوجته علوية كثير من الاسئلة الحائرة في نفوس كل من تركوهم خلفهم .....
لكن في النهاية تحولت قصتهم الى قصة روتينية مثل باقي حياة الاخرين .. رجل يعمل وتنتظره زوجة في البيت تربي العيال وتقوم بخدمة الجميع كسنة الحياة والفطرة التي فطر بها ابونا آدم وامنا حواء .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق