الثلاثاء، 5 نوفمبر 2013

كابوس زغني

في مطلع هذا القرن دارت حرب ضروس بين الجارتين اللدودتين اثيوبيا وارتريا لم تشفع فيها الصلات العرقية التي تجمع سكان البلدين ولا الجيرة ولا اي هم مشترك .. في تلك الفترة كنا نؤدي الخدمة الالزامية ومن ضمن مهمتنا كعساكر هو حماية حدودنا السودانية مع الجارتين .. حتى لا يتسلل جنود اي منهما الى حدود البلاد ويحدث فوضى نتيجة للاسلحة التي يحملونها .... لذلك كنا نتحرك في اطواف على طول الحدود مع ارتريا ... يوم من الايام عفوا او ليلة من الليالي ونحن اربعة من الجنود نركب في سيارتنا الجيب ونحمل اسلحتنا ... يبدو انه سائقنا صابه النعاس فهو بدلا من ان يقود في الشريط الحدودي فقط كالعادة .. انحرف منه المقود وتسلل بالسيارة داخل الحدود الارترية .. بل تجاوز الحدود بمراحل ... نحن لم ننتبه للامر اذا كنا مندمجين في الحديث والونسة الا بعد ان لحظنا ان صوت الرصاص والانفجارات غدت قريبة جدا منا .. ورفعنا راسنا لنجد اننا نقترب من احدى المعارك .. وصرخ احدنا في السائق ..نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي ياعمر انت دخلتنا وين ؟؟) .. وقبل ما يجاوب لاحظنا انه لمبة كشافة ضخمة توجهت نحو سيارتنا وكشفت وجودنا فما كان علينا الا ان قفذنا من السيارة وجرى كل واحد منا في اتجاه لان نور الكشافة اعقبته قذيفه كما كان متوقعا اعتقد انها دمرت سيارتنا .. وبعد ذلك سمعنا اصوات الجنود يتحدثون باللغات الاثيوبية واصوات اقدام تجري نحونا ... انا لم افكر في شيء سوى ان اجري بكل ما املك من قوة .. وجريت وكل ما زدت في السرعة شعرت ان اقدامي لازالت بطيئة .. وكل مرة اسمع صوت رصاص تعقبه صرخة وجسم يرتطم بالارض ...مما زاد الرعب وجريت .. وشعرت ان الحذاء العسكري الطويل كانه يقيدني بالارض والارض مبللة بالطين نتيجة للامطار مما زاد الامر سوءا آخر شئ فكرت فيه هو ان اقف واخلع الحذاء وخاصة انه الحذاء سيسهل تتبع الاثر مع الطين وفعلا وقفت خلف شجرة ونزعت الحذاء ورميته بعيدا كل فردة في اتجاه ثم درت حول الشجرة كذا مره حتى اتوه المتتبعين عن اثري وبعد ذلك جريت وصرت اجري بكل ما بقي فيني من قوة .. الى في النهاية بدا بزوق الفجر واطراف الغابة التي كنت اجري فيها .. وارخيت اذني لم اسمع هدير سيارات او اي اصوات تتبعني ..
وعندما وصلت في طرف الغابة لاحت لي مباني تدل على اقترابي من احدى المدن الارترية ربما تكون مدينة تسني او مدينة قرمايكا .... وبعد ذلك وانا في طرف القرية او المدينة اول خطوة هي نزعت عني البزة العسكرية لانها هي التي ستجر علي البلاوي وربما جعلت الاهالي يصوبون نحوى السلاح .. واكتفيت بالبنطلون وفنيلة داخلية نصف كم وكنت طبعا حافي القدمين بعد ان تخلصت من الحذاء .. وشفتاي جافتان من العطش والارهاق .. وبديت اجر خطواتي نحو المدينة .. ولاحظت انه احد البيوت بابها فاتح ويقف في الباب شاب يرتدي الزي المدني .. ذهبت نحوه واشرت له بان يسقيني ماء ... فتح الباب وامرني بالدخول .. وحاول يتحدث معي بلغة التقرنجة .. رغما عن اني من سكان كسلا الا ان المامي بهذه اللغة لم يكن كافيا لادير به حوارا .. وحاول معي كذلك بلغة التقري وهي لغة البني عامر وتلك اقرب للغة العربية وفهمت انه هو بيسالني عن اي جيش انا انتمي .. وعندما قلت له انا تابع للجيش السوداني ... استغرب وسالني هل السودان دخل الحرب ومع اي طرف هم ... قلت له له نحن جنود من حرس الحدود السودانية توغل بنا السائق بالخطا داخل الحدود الارترية ووجدنا انفسنا ضمن احدى المعارك ..
اخيرا امرني بالدخول الى الصالة وامر اهل بيته بان يحضروا لي كوب ما بينما هو دخل الى الغرفة واحضر لي قميصا وبنطلونا ملكيين ... وقال لي عليك بان تلبس زي ملكي .. لان اي من الجيشين لو قبضوا عليك لن يرحموك .. كما تعرف ان ارتريا تتهم السودان بمساعدة اثيوبيا وتبحث عن دليل حتى تجر السودان للحرب وكذلك اثيوبيا تفعل العكس ... اخذت الملابس وشكرت الرجل بعد ما اراني مكان الحمام ذهبت واغتسلت ولبست الملابس ووجدته ينتظرني بالفطور وهو يتكون من ملاح الزغني الشهير والكسرة الحبشية التي تسمى اللحوح ..اكلته كاطيب اكل ذقته في حياتي وخاصة لاني كنت جائع جدا ....
احضرت لنا البنت والتي يبدو انها اخته والتي كان يناديها بإلسا في كل مره وكانت بنت شابة جميلة عمرها حوالي ثمانية عشر عاما .. وكان توجد كذلك امراه كبيرة ورجل عجوز بل يبدو اكثر من امراه كبيرات في السن .. لم يكن راضيات عن عمل ابنهم ويبدو عليهن الغضب .. لانهن رطن معه بعنف وهو كان يصر يحرك يديه ... ومن اطراف الكلام فهمت منهن انه لو حضر اي من الجيشين ستتضرر العائلة كلها ويمكن يتعرضوا للابادة لذلك عليه طرد السوداني فورا ..
اصر الشاب واخيرا دخلوا كلهم الى غرفهم وبقى هو معي فقط .. وعرفني بنفسه بانه اسمه صالح وانه يعمل طبيبا وقد درس كل مراحله الاولية بمدارس اللاجئين بالسودان ودرس الجامعة بالسويد وبعد الاستغلال من اثيوبيا عاد ليعمل في بلدة لتندلع الحرب اللعينة من جديد بسبب ارض جرداء لاتسوى اي من قطرات الدماء التي اهرقت من اجلها .... وانا كمان عرفته بنفسي واني انا لست جندي نظامي انما اؤدي الخدمة الالزامية فقط بعد ما تخرجت من كلية الاقتصاد .. اخيرا قال لي ساتركك تنام وتصبح على خير وقال انا قلت لاهلي اذا سال الجنود عني قولوا هو سوداني صديق صالح جاء للزيارة قبل الحرب وانت يجب ان يكون هو ردك كذلك..
ورقدت نمت فعلا لاني كنت منهكا ... الا ان قمت من النوم مفزوعا على يد تهزني .. وصوت يهمس ويبدو انها السا البنت .. وقالت لي انه واحد من اهلها ترك صالح نائما وتسلل لابلاغ الجيش وعلي انا انا اهرب فورا قبل ان يحضروا ..
وفعلا من الحائط الخلفي للمنزل قفذت وجريت مسافة نحو الغابة واختفيت خلف احد الاشجار لاتاكد هل كلام البنت صحيح ام هي متامره مع اهلها .. وفعلا بعد قليل جاءت كتيبة من العسكر وحاصرت المنزل وبداوا في حملات تفتيش جعلت فرائضي ترتجف .. واخيرا قررت ان ابتعد وامشي .. وخاصة بعد ان اصبحت ارتدي ملابس مدنية اصبح الامر اقل خطورة ...وبينما انا اثير في الغابة قجاة لاحظت انه كشافة ضخمة توجهت نحو ظهري واعقبتها جملة بالتقرنجة افهمهما تماما ..
- اطا تطوبل ( معناها انت توقف)
- وقفت ورفعت يدي للاعلى وشعرت بان خطوات تقترب من الخلف وفوهة بندقية توضع على ظهري وتدفعني للامام .
وفعلا اخرجوني خارج الغابة من جديد .. وبدا قائدهم يتحدث معي بصوت عالي بكلام لم افهم منه شئا .. واخيرا ربطوي زراعي من الخلف و اوقفوني بعيد وارتص امامي جنود موجهين رشاشاتهم نحوي وبدا قائدهم يعد:


مع كلمة فاير قمت مفزوعا وضربت حديدة السرير بقدمي والتي هي وارمة حتى الان وانا انظر حولي لاجد الجميع نائمين وقلبي فقط يضرب بشدة .. وعرفت بانه كابوس من النوع الحبشي الخطير .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق