الجمعة، 8 نوفمبر 2013

نستلوجيا المندهشة

من هنا في كافتريا راقية او مطعم ايا كان التصنيف هو واحد من الاماكن التي تقدم الوجبات لنوع من الناس تعود الا يقول كم الحساب ( كمشة فلوس وخلي الباقي علشانك )على ضفاف النيل والزجاج مظلل زبائن المطعم يرون من هم بالخارج ولا يرونهم بالمثل كما وصف المولى الشياطين يرونكم هم وقبيلهم من حيث لا ترونهم .. كذلك سياراتهم تماما .. اللحظة الوحيدة التي تجعل البسطاء ينعمون بالنظرات اليهم هي لحظة النزول من السيارة والدخول الى احدى هذه الاماكن المظلله .. يمكن تكون كافتريا او نادي للعب البلياردوا او مقهى الانترنت .. حتى الشمس لاتحظى بفرصة لتسمر بها جلودهم الندية .
هنا يجلس في احد اركان المطعم زوج من هذا النوع الرؤوس تكاد تتصادم والحديث الهامس والضحكات الرنانة الشبعة والخجولة ويقطع الخلوة الجرسون الانيق ببدلته الكاملة التي تزينها كرفتة وسط من النوع التي تعرف (بالفيونكة) يحمل في يده لوح عليه نوتة يدون بها الطلبات ويقطع حديث العاشقين قائلا طلباتكم لو سمحتوا ..
الشاب : سوري لو سمحت ما عندكم مانيو ( كتلوج او يعني كتيب للناطقين بغيرها).
الجرسون : جدا عندنا مانيو تفضل 
الشاب : طيب يا ريري تطلبي شنو .
ريري: او اولا عايزة اسبايسي جكن فريت .. ولو فيه بيف باربكيو مع سوب لسان العصفور ..
الشاب : سجل طلباتها لو سمحت ..
الجرسون : حاضر يا استاذ ونوع الحلى والمشروب .؟؟
ريري : المشروب عايزة كوكتيل طبقات والحلى كريم كرامل وام علي .
الجرسون : اي طلبات ثانية مشروب ساخن مثلا .
ريري : بعد العشا ممكن تجيب لي مشروب شيكولاطة ساخن . 
الجرسون حاضر يا استاذة .. وانت يا استاذ طلباتك .
ريري : ( تخفف في دمها) اوعى يا تومي تحاكيني وتضحك بدلال ..
تومي والذي ربما يكون اسمه حاتم لايهم : لا انا اليوم نفسي في السي فود عندكم شنو .
الجرسون : في السي فود عندنا روبيان باربكيو واستاكوزا وحبار بسلطة المايونيز وفي هامور فلي .. وبلطي وبياض وشعور) .
تومي : والهامور فريت ولا باربكيو.. 
الجرسون : كل الخيارات موجودة ..
تومي : خلاص اعمل لي واحد هامور فلي باربكيو واستاكوزا فريت وفيش سوب .
الجرسون : حاضر يا استاذ والحلى .
تومي : انا مضطر احاكيكي في الحلى يا ريري ..
ريري : انت ما مفروض تطلب تحلية . انا ما كفاية .. كذلك تضحك بدلال مصطنع ..
تومي : ما تفكيها في نفسك مرة واحدة ها ها ..
والجرسون يتبسم معهما رغم نكاتهما السمجة كجزء من الواجب ومنظومة العمل .
ومن هناك في ذات المطعم يجلس زوج آخر 
الشاب يبدو انه متعود على المكان .. اما الشابه فهي تتلفت مندهشة وكل ما تحاول تهمس يفضحها صوتها الكبير يشع اسئلة الدهشة في ارجاء المكان .. وهي كانت تراقب طلبات وضحكات زوج المنعمين وكل مرة تحاول تهمس لرفيقها .
هي : حسن حسن الحاجات الطلبوها الجماعي ديل اكل ؟؟
حسن : نادية انطمي لاتفضحينا دا مطعم نان جايين يطلبوا دوا..
نادية : اتاريك لابت في الخرطوم دي لاقي لي الاكل السمح والاشكال المتل الاسكريم دي وناسيني في البلد جواب ما بترسلة لامن بقيت غليد وسويت لك جضوم متل النفسا .
حسن : انت من زمن الجوابات والرسائل الغرامية.... نادية : يا حليل زمن الجوابات امات ريحه الواحدة يجيها جواب من الخرطوم تجري تقفل الصالون عليها تقرا وتبكي وتسلم في الجواب .
حسن : ياخي وطي صوتك فضحتينا ..
نادية : انت شنو شابكني فضحتينا فضحتبنا .. انت ماك عاقد علي ماك حلالي عديل كدا .
حسن : ياولية نان في زول في المكان دا عارفني حلالك ولا حرامك ..
نادي : هي نان انا سويت شنو انت لو خجلان من مباراتي ارح ودني لاهلي .
حسن : نادية ما تفهميني غلط انا جايبك المحل الراقي دا عشان نعيش لحظات حلوة مع بعض ونتونس في مستقبلنا .خلاص ما تزعلي .. محاولا ان يشغلها مناديا الجرسون .
الجرسون قادما : نعم يا استاذ ..
حسن :يلا اطلبي يا نادية ..
نادية : اولا هو يقولنا عندو شنو بعدين نختار .
الجرسون عندنا كل انواع الميت باربكيو والجكن فريت والفش وكل انواع السي فود .
نادية مقاطعة : شنو .. اولا الميت البيبركولو دا شنو .. انت هنا قعد يبعيو لحم الناس الميتين ؟؟
حسن مستاءا : ميت شنو يا ولية انت قايلة روحك في تايوان .. ميت باربكيو يعني لحم مشوي ..
نادية : طيب ما تقول شية الله يشوي اضنيك الطايرات ديل .اها تاني في شنو فش عرفناها ما ياه السمك ادونا ياها في المدرسة زمان .. الجكن فريت ديل شنو ..
حسن (بدأ عليه الاحباط)..يعني طيور مقلية يا استاذه . 
نادية : اها فريت نعلو ما طير الفرة داك .
حسن :نادية اطلبي سمك وجداد خلي الراجل يمشي يشوف شغلو .
نادية : اها سمعتو قالو كلمة كدا سفون ولا شنو ما بعرفو ..
حسن : سفون شنو؟؟ قال سي فود يعني ما كولات بحرية .
نادية : البحر فيه ماكولات تانية بلا السمك .؟؟
حسن : اي في الجمبري والسرطان وابو جلمبو ..
نادية : ونان الحشرات دي في زول بياكلها .
الجرسون : كيف مرغوبة جدا وعليها طلبات وسعرها غالي .
نادية : لا نحن الحشرات دي خلنا منها ..
الجرسون : طيب عندك طلبات تانية .
نادية : ماعندكم حرف كدا بدمعة او تقلية ؟؟.
الجرسون : حرف يعني شنو حرف ؟
حسن مقاطعا : نادية حرف شنو انت قايلة روحك وين حرف دا تطلبي من حبوبتك لامن تسافري البلد ؟
نادية : والله مشتاقة لي لحرف قراصة كدا بدمعة تقيلة معاه بصلة والشطة والليمون من جيت من البلد هنا لجامعة السجم دي ما ضقت لي قراصة .
حسن : انا المرة الجاية بوديك لمطعم شعبي يقدم الحاجات دي .. لكن هنا محل مشويات ومقبلات واكل خمسة نجوم .اطلبي التحلية عشان الولد يمشي .
نادية : خلك من الاكل انت الحنفية الرابطة في رقبتك دي شنو ؟؟
حسن : ياخي مالك وماله خليه يمشي يشوف شغلوا ولا خلاص انا بطلب ليك التحلية .. لو سمحت اطلب لينا واحد ام علي وواحد كريم كرميلا .
نادية : سجمي ام علي نعلها ست الزلابية؟؟ هي زلابيتها وصلت لغاية هني.
حسن : ام علي ست الزلابية دي منو كمان.؟
نادية : واحدة عندنا في البلد يقولوها ام علي كانت تبيع الزلابية .. اها مشهورة تلاقي سواقين البصات والتكاسي كلهم شايلين صحانتهم وراجنها ترمي .. اها قالوا مشت الخرطوم واشتهرت هنا .. معقولة يكون زلابيتها تتوزع لغاية هنا .
حسن ضاغطا على اسنانه يكاد يفرتكها بعد ان لاحظ صوت نادية العالي لفت اليهما الانظار والناس تكتم في الضحك وهو يكاد ينفجر بالغيظ : يا ولية ام علي دي اكلة مصرية تحليه اسمها كدا لاعندها علاقة بالزلابية ولا بام علي بالتعرفيها . .
حسن مخاطبا الجرسون ومحاولا الخروج من هذا الحرج : زي ما سمعت يلا يا استاذ عايزين جكن فريت طلبين وبيف باربكيو اتنين والتحلية ام علي وكريم كرامل .
كان المفروض ان يكون بهذا الطلب اختصر الموضوع وتوقف استنذاف نادية له بالحرج هنا لو لا باغتهم الجرسون بسؤال تقليدي أدى لتمديد الموقف من جديد : ونوع السوب لو سمحتو ..؟؟
نادية مقاطعة قبل ان تعطي فرصة لحسن : سجمي هنا كمان بتبيعو ثياب اكيد دي حركات ناس برة قالوا المطاعم دي اي حاجة فيها حتى الصعوت لكن تبيعو تياب دي جديدة .
حسن بغيظ بعد ما همس ( يخرب بيتك فضحتينا(
نادية : تبرطم تقول في شنو ما صحي مطعم يبيعو فيه ثياب كان بقى كدا انا غايتو عايزاه توتال سادة لونه لون زينب او تركوازي ..
حسن : يا وليه ما تدينا فرصة نفهمك : سوب يعني شوربة بالانجليزي والحالة انت متعلمة وطالبة جامعية .
نادية : تعليم شنو في ذمتك دي من اولى ابتدائي لغاية ما دخلت الجامعة كلمة شوربة بالانجليزي دي لاقتك .. غايتو البعرفو السلطة اسمها سلات واللحم اسمه ميت والخضار فيقتابول . لكن شوربة دي يعمينا ما شفناها .. بعدين الجرسون دا الفلهمه العليه شنو ما يقولنا شوربات شايفنا شقر وعيونا خضر . 
حسن : انت ما ملاحظ الجرسون شكله اثيوبي يعني ما بيعرف عربي كويس ؟؟
نادية : اها ما تقول كدا من قبيل ان بقى كدنا قلنا انواع السياب يعني الشوربات العندك ونحن ننقي .. يعني واط سوب كيند عندكم ؟؟ اها كدا كيف عجبتك ولا  لا ... لامن خليتلك الحبشي اتكيف وبقى يضحك ..
فعلا بدا الجرسون يتبسم وقال : عندنا سوب عدس فيش سوب جكن سوب بيف ولسان العصفور .
نادية شنو لسان العصفور : بالله شوف مضرة الناس دي ضبحو لهم كم عصفور عشان يعملوا شوربه بلسانه .
حسن بدأ يهدا بعد ان فقد الحيلة في تهدئة نادية بدا يشرح لها في هدوء : يا نادية لسان العصفور دا نوع من البقوليات زي العدس بيعملو بيها شوربة يعني الحكاية ما فيها عصافير .. ومخاطبا الجرسون ياخي اعطينا اثنين شوربة عدس وخارجنا .
بعد دقائق بدات الطلبات تتوارد على مائدة نادية وحسن .. اولا كما هو معهود في نوع هذه المطاعم انه احضر الجرسون صحون فاضية عليها ملعقة وشوكة وسكين ومعهم الفوطة التي توضع على الفخذين او تعلق في القميص كما يفعل الغربيون .. وحسن شعر انه نادية راسها اتملا بالاسئلة والتعليقات ويتمنى الا تفعل ..
وفعلا تدخلت نادية : ديل شنو الحاجات والفوط الرصيتن ديل نحن جايين ناكل ولا جايين نحلق ؟؟
حسن مقاطعا : شنو اوعى تكوني ناوية تاكلي بيديك ؟
نادية : نان جايي آكل بكرعي .؟
حسن : لا شوفي هنا كل الناس بتاكل بالشوكة والسكين شوفي الناس من حولك في زول بياكل بيدو ؟ ..
نادية : ناس شنو انا مالي ومالهم ..
حسن : نادية هوي لازم تتطوري ونحن ما راح نفضل على عاداتنا لازم ندخل المحلات الراقية ..ونعمل زي ما بيعمل الناس .. مش حا نفضل متخلفين ونملا يدينا لاعن الكوع بالخضرة والبامية ..
نادية : في ذمتك هسع دا تطور شوف الراجل الجمبنا دا يصارع في الشعيرية بالشوكي بلا الصارقيل .
حسن : ما تأشري على الراجل فضحتينا ..
نادية : حسن هوي شوف هنا انا لا باكل بشوكة ولا سكينة ولا بدخلها لاعن حلقي .. ياخي افرض شكتني في حلقي .. عاجبك كدا عاجبك ما عاجبك ارح نتعشى بفول عند اهلنا لاني دايره الببروكولوا ولا ني دايري البيبكولو ..
حسن : تاثر وحاول ان يجد حل وسط ونادى الجرسون وهمس في اذنه .. فعلا بدا الجرسون يؤمن بهز الراس ..
وبعد قليل احضروا دروة متحركة مصنوعة من الخشب المنقوش تتكون من ست ضلف واحاطوا بها جلسة نادية وحسن ..
نادية زعلت وفهمت الرسالة خطا : انت خجلان مني قدر دا يا حسن جاييي تداريني من الناس ..
حسن : لا يا نادية دي دروة شرعية .. في ناس كثيرين يكون عندهم عوائل ما يرضوا انه نسوانهم ياكلوا قدام عيون الاغراب .. فيطلبوها .
ارتاحت نادية قليلا لهذا التبرير .. وبدا الجرسونات يرصون في الطلبات امامهما
,ولكن هذا لم يقنع نادية ويغير حنينها الى الماضي وحياة البسطاء والعفوية التي هي طبعها الفطري .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق