الاثنين، 4 نوفمبر 2013

حوار مع صديق محبط

لاحظت في مظلة المواصلات يجلس شخص من بعيد .. ويبدوا عليه ليس لديه رغبه في الركوب .. لان المظلة تمتلئ بالركاب وتفرغ اما هو ظل جالسا .. وانا بما اني في اجازة يعني شبه عاطل قررت امشي ناحيته واعرف سره ... لاني على مدى يومين لاحظت نفس الشخص يجلس على نفس المظله .. وانا اعتدت اني استخرج كرسي من الصباح في ظل النيمه امام البيت محاولا ان اقضي فراغ الاجازة ... استغرب كثيرا لعبارة فلان يستمتع باجازته ... انا اعتقد الاجازة لو ماكانت جماعيه مثلا مثل اجازة الاعياد لن تكن ممتعه وهذا ينطبق على اجازاتنا نحن التي نقضيها في السودان..وخاصةالاجازة الفرديه هذه ليس فيها اي متعه .. لان تجد كل من حولك من طلاب وموظفين راحوا لاهدافهم وتركوك لوحدك تطارد في الظل بكرسيك ... لكن جلسة الشخص في المظلة قررت انا ان اكسر بها هذا الروتين الممل ربما في الحديث معه طلعت بشئ جديد ..
وفعلا تركت كرسي وذهبت ناحيته .. وابتدرته بسلام كامل الدسم 
قلت : السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ....
هو رفع راسه من خلف السجارة ودخانها الكثيف وحدق فيني طويلا كاني ارتكبت ذنب في حقه ورد رد مغتضبا بكلمة واحدة .
قال : اهلا
في وضع عادي من المفترض انه هذه الكلمة كفيله بارجاعي الى كرسي لكن انا اولا ليس عندي بديل وثانيا هذا الاحباط اثار فيني الفضول والرغبه في معرفة سره .. ودون دعوة منه جلست قربه حاولت ان احركه مثل ما يحرك الشخص موجة الراديو .. جربت موجة الجو والمناخ 
قلت : مناخ السودان اصلا ما عايز ينعدل قدر ما تغيب ترجع تلقاه نفس الغبار والحر والذباب ( اشارة خبيثة مني عشان اوريه اني مغترب ... ربما نفتح موضوع من هذه الناحية ) 
نظر ناحيتي وشهق شهقة طويلة تنم عن الغيظ والحقها بنفس من السجارة التي كادت تنقضي . واخيرا رمى السجاره وداسها واشعل اخرى..
شعرت انا انا موضوع الغربه وانت جايي من وين وانت عايش وين ليس في هواه .. اذا نحاول نشغل موجه ثانية .... 
لاعرف هل هو يجلس في المظلة يوميا لمعاكسة ومشاهدة بنات الثانوي والطالبات قلت :
بنات السودان اصبحن جميلات جدا بس خسارة من وين يلاقوا عرسان للبنات ديل كلهم وكيف العرس مع غلاء المهور ..
هنا رمى السجارة الثانية في الارض وداسها برجله والتفت ناحيتي .. ويبدو انه موجته اشتغلت ...
قال : قلت البنات بقن سمحات .. ومن وين ... من يوم ما لغوا مجانية التعليم اصبح المال والجمال والعلم في زاوية .. والشناه والبلادة والفلس في ناحية تانية ...
انا وجدت موضوع انفتح وما عاوز افوت الفرصة دي لازم انفخ في الشرارة قبل ما تنطفي ...
قلت : علاقة الجمال بالمال شنو ؟؟ الجمال دا شئ طبيعي تتولد به المراه حتى لو كان اهلها فقراء .
قال : ياسلام ؟؟؟(ساخرا ) عاوز تقنعني انه بنت تقوم من صلاة الصبح وتكنس ليها حوش مساحتة ربع فدان وتغسل ليها طن بتاع عدة وتتناول فستانها من الحبل وتتشطف تروح المدرسة النهار كله تطارد في المواصلات وعشان ترجع الضهر تغسل الهدوم وبالليل تذاكر بالفانوس .. باقيلك دي ممكن يفضل فيها جمال حتى لو كان ابوها كومار وامها سبنا .
قلت : نفهم من كدا انه البنات اليركبن من المظله هنا ما عجبنك ؟؟ و انت ما جالس عشانهم ..
قال : ابدا ياخي وانت فاكرني شنو ؟؟ وبعدين ديل في عمر بناتي يا اخ .....
قلت طيب : خلينا في ناحية ثانية انا افهم من كلامك السابق انك تؤمن بان الجمال يصنع صناعة ولا يولد ....
قال : بالتاكيد يعني واحدة تانية في حياتها ما غسلت شئ سوى يديها ولا مسكت مكنسة ولا وقفت في المواصلات .. ما اكلت ملاح بايت .. ما لبست فستان واحد مرتين في الشهر ... السواق ياخذها من البيت الى مكان ما تريد ويعيدها .. اي فاكهة في الدنيا تحت امرها وطلبها حتى لو كانت مزروعة في شيلي .... تفتكر زي دي ممكن تكون قبيحة حتى لو كان ابوها جقر وامها خنفسانة ... وزي ما قال اخونا .... السماحة من الراحة والاكل البراحة .... والشناة من التعب والاكل الكعب ...
قلت بصراحة انا سعيد بالونسة معك ... تسمح لي اكون رفيق لك في المظلة طيلة فترة اجازتي .. اهو نتحاور ونسلي بعض .
قال لي : هو انت مغترب ؟؟؟؟؟
قلت : نعم
قال: خد
وانا وقفت طمعا في ان يزيد كلمة لاني ما عرفت هو قاصد شنو بخد دي ؟؟؟؟؟؟ لكن بكره لازم اساله .
في اليوم التاني
من الصباح انا متشوق للقاء صديقي المحبط وانا الحقت به كلمة صديق رغما عن يقيني التام انه هو مستغني عنها .. لكن خلونا نشوف نهايته .. واكيد موضوع اليوم راح يكون حولنا نحن المغتربين ... لانه ختمها بكلمة (خد) بمجرد ما قلت له انا مغترب .. وفهمت انه كلمة خد هذه تحمل كم هايل من السخريه . ولكن اليوم لازم افلفلها واعرف ما ذا يعني بها ....
اول ما شرقت الشمس في الاول وقفت انا على باب البيت منتظرا الشارع يتفرغ من الماره والطلاب وغيرهم ثم اخرج الكرسي اولا ... ورغما عن انه خلال ساعة واحدة من السابعة الا الثامنة تفرغ الماره تماما الا انها كانت ساعة طويلة .. نظرت ناحية مظلة المواصلات وشاهدت صديقي جالس فعلا ومواظب كانه يتقاضى راتب عن جلوسه هنا بصفة يومية وبدوام منتظم اشبه بالوظيفه ... كلها اسرار انا يقتلني الفضول لكي اعرفها ...
ذهبت ناحيته ومتعلما درسا من الامس اول شئ قررت ان اختصر التحيه في اقصر كلمة 
قلت : كيفك ؟؟؟؟؟
رد هو بإمائه فقط من راسه 
قلت : انت مصر ان ترد التحيه باقل منها رغما عن انه مفروض يحدث العكس ..
رفع راسه وابتسم وقال : يا اخي اقعد ما تملانا فقر من الصباح ..
رغما عن انه عبارته جارحة واغضبتني الا ان الاريحية وكانه شخص متعود علي عجبتني وجعلتني قبلت الامر . رغما عن اني تعرفت عليه توا بالامس .. وحتى هذه لم تحدث .. انا حتى الان لم اساله من اسمه ولا هو فعل ولا تبدو عليه اي رغبه ... لذلك دخلت انا في الموضوع مباشرة ..
قلت : امس من كلامك حسيت بانك عندك مآخذ كثيرة على المغتربين من كلمة خد التي ختمت بها حديثك ..
قال : لي ما للدرجة دي يا ابو الشباب لكن ماقلت لي انت مغترب وين ؟؟؟
قلت : بالرياض السعودية 
قال : ما عارفين الرياض بالسعودية في حدي قال الرياض بالمغرب ..
رديت حاولت استدراك الزلة : ما في حي الرياض بالخرطوم 
قال : وحتكون مغترب كيف لو كنت في رياض الخرطوم .. على كل حال سيبنا من الدوران في الوهم دا ... بالذات مغتربين السعودية الواحد يعمل فيها صاحبك .. اول ما يجي من الاجازة يجي شايل ليك سجادة صلاة ... وولاعة سجائر في شكل علبة مارلبورو .. واكيد هي جايه دعايه للشركة مجانية .... واييه كمان يقول ليك انا اصلا ما نسيتك ومتشوق متين للاجازة عشان الاقيك .ثم لزومها شنو سجادة الصلاة ... اذا كان الرسول صلى عليه وسلم قال جعلت لي الاض مسجدا .. يعني نحن ممكن نصلي في الرملة دي ..
قلت : خذ في بالك انه اي مغترب سوى في السعودية او اي مكان اخر حوله كم هايل من الاهل والمعارف .. ولان نحن السودانيين روابطنا الاجتماعية قوية كبيرة تحاول ترضي كل شخص ... ولو حاولت انك ترضي اي شخص بشئ غالي محتاج لميزانية ضخمة ... وما تفتكر انه السجادة رخيصة .. هي ثمنها من خمسة عشر ريال لعشرين يعني ثمن قميص .. لكن السجادة لان الناس يريدوا ان يضيفوا القيمة الدينية للقيمة المادية حتى تصبح الهدية اقيم ...
قال : يعني تقصد يتاجروا بالدين 
قلت : بالتاكيد ليس في الموضوع تجاره بالدين .. لان الشخص الذي يقدم لك هديه فانت لا تدفع له ثمنها اذا اين التجاره هنا ..
قال : تقصد هي هدايا رمزيه تعبير عن حب او اي مشاعر ..
قلت : بالظبط : طيب اضرب مثال اخر نحن انفسنا المغتربين عندما نرجع من الاجازة يقدموا لنا الاهل هدايا عبارة عن منتوجات شعبيه .. من ضمنها التسالي (بذور البطيخ ) .. نحن نتقبلها ونوزعها على معارفنا في الرياض بكل فرح وامتنان .. لكن اقول لك شئ لو دخلت اي محمصة في الرياض ستجد اكثر من ثمانية عشر نوع من التسالي تاتي الى السعودية من جميع انحاء الكره الارضيه ورخيصة جدا .. وفيها انواع اهلنا في السودان ما سمعوا بها ولا شافوها .. رغما عن ذلك هداياهم تعجبنا وتفرحنا ..
عندما وصلت هذه النقطة التفت ناحيتي وابتسم وما علق .. لكن شعرت بانه سحب كثير من حنقه على المغتربين .
قال : بصراحة المغتربين ما قصروا معانا .. تعرف انا لمن كنت في الوظيفة كنت الصباح انا وزوجتي نتحاجج امام الدولاب حوار من نوع ... البس قميص سوسن مع بنطلون نجاة ... لالا قميص الهام ما جايي ... ممكن تلبس قميص رجا .. كل ملابسنا تحمل اسم الشخص الذي اهداها لنا وتلاقي الواحد رايح العمل وهو عباره عن دعاية انتخابية .. حقيقة الاخوان والاخوات غطوا جانب مهم من بنود الصرف في حياتنا ..
قلت : انا ما كنت ناوي اخوض في موضوع الغربة والاغتراب لاني في اجازة بس استفذتني كلمة خذ .... رايك شنو نحول للكورة ولا السياسة ولا حتى المسلسل اليومي ...
نظر لي وابتسم ابتسامة هادئة هاذ راسه بالايجاب .. مستسلما لاي موضوع ممكن افتحه وانا طبعا ما بقصر 
باقي اليوم الثاني
اليوم الثاني ونحن من الصبح اخذنا نتحاور حول المغتربين وعندما استطعت ان انتزع منه فضلا للمغتربين والذي عبر عنه هو بقميص الهام مع بنطلون رجا ولا جزمة هدى مع جلبية عادل .. وقال اصبحنا نشبه الدعاية الانتخابية ... في هذه النقطة انا آثرت ان اقفل الموضوع مكتفيا بهذا الاعتراف .. وطلبت منه ان نخوض في حوار آخر وافق هو ...
وسالت : انت يا.......... تتخيل نحن الى الان ما اتعرفنا على بعض 
قال : حايفيدك شنو الاسم ياخ .. مصاحبه انا ما ناوي اصحابك .... وبعدين اوعدك ما راح تلاقيني في اي مكان آخر غير المظلة دي ..
قلت : ليه اسم على الاقل اناديك به اثناء الحوار لانه في بعض العبارات انت تحتاج تبداها بفلان .. وبالنسبة للمصاحبة انا نفسي ما محتاج لاصحاب جد مكتفي والحمدلله ...
قال : ما محتاج ؟؟؟ ومال سايب كرسيك في ضل النيمة وجايي تقعد معاي بالساعات ليش ؟؟
قلت : كدا معناها ردي ما راح يريحك ببساطة لان كل اصحابي في وظائفهم وبقابلهم في المساء وانت شخص وجدته يمكن املا به فراغ النهار ... وعلى فكرة ما تفتكرني محتار وانت آخر حل عندي ... انا ممكن افتح الانترنت وعندي اصدقاء في المنتديات ...
قال : طيب الشبكك فيني شنو ؟؟؟
قلت : ممكن تقول فضول ويمكن رغبه في انه اعيش نفس حياتك .. ربما جلستك انت في المظلة يوميا في وقت العمل افضل من حياتي انا موظف كل سنة حاضر للاجازة يقضي نصفها في ديوان شئون المغتربين مع الاجراءات حتى يستطيع العودة الى الغربه مره اخرى ... والغربه نفق طويل لاتظهر نهايته في الافق ..
نظر الي مبتسما ابتسامه باهته .. وقال على كل حال ممكن تناديني ابو عماد ... وانا حياتي لو عرفتها حا تتمنى لو ما سمعتها سيبك من انك تتمنى تعيشها ..
قلت : شكرا على تفضلك بمنحي اسم لمناداتك يا ابوعماد وانا كمان ابو محمد .... في الحقيقة انت اختصرت لي مشوار للسؤال اذا سمحت يعني ممكن اعرف انت ليه ما موجود في اي وظيفة ؟؟؟ وكيف عايش حياتك ؟؟؟؟
قال : تعرف من انت سبت كرسيك اول امس وجاي متحرك علي انا متوقع منك السؤال دا .. عايز تعرف عن الشخص كل يوم يلبس نظيف ويجلس في مظلة المواصلات وينصرف وقت دوام العمل الرسمي .. قصته شنو ؟؟؟؟؟
لكن قعدت تلف حول السؤال وتتذاكى علي وتستدرج فيني لغاية في النهاية لقيت ما في مفر من السؤال المباشر ...
قلت : لماذا انت شخص حانق وسئ الظن في الناس وحياتك واسرارك لو انت ترى ما في داعي انه انا اعرفها ما تحكيها .. واؤكد ليك انه انا ما عندي اي رغبه في معرفتها و الحديث معك سوى انها هي هواية عندي اتعبتني وادخلتني في مشاكل وحشت راسي بمعلومات كثيرة لافائدة منها .. تعرف انا هناك في الغربه احتكيت بكل الجنسيات التي قابلتها .. وبنفس الفضول سالت عن حياتهم وثقافاتهم في الاكل وتذوقت اكلهم .
ولو ترغب انه احكي ليك عن بعضها ما عندي مانع ... هي معلومات انا استنطقتها منهم بسبب الفضول .. لاهم تضرروا من معرفتي ولا انا استفدت شئ لكنها ملات حيزا كبيرا في ذاكرتي ....لكن قضيتك بالذات انا اكتسبت مني شئ من العاطفة ربما تجد عندي انا حلول تجعل من حياتك واقع افضل .. او الاقي عندك انت حلول تحول حياتي انا الى افضل ....
سكت فترة طويلة بدون ما يتكلم او حتى يدخن كالعادة وسرح ثم عقب ... قائلا بصراحة انا هوايتك او فضولك جد عجبتني واثارت فيني رغبه في معرفتها ... لكن انا اعطيك فكره ... على بال ما انا احكي لك قصة حياتي خلينا نخليها فقرات في النص عن بعض غرائب الشعوب ... نظام كسر الملل وكدا ...
قلت انا مبتسما بعد ان شعرت بنشوة الانتصار : ما في مانع تبدا انت اول او انا اول 
بعد ان عدنا للحديث من جديد :
قال هو بصراحة انا قصتي هولتها لكن هي قصة مكرره حدثت مع كثير من السودانيين .... وباختصار انا كنت موظف في مصلحة حكومية .. وطول عمري وتركيزي كان على الوظيفة .. في بعض الزملاء كانهم كانوا يحسون بقدر الزمن بعضهم دخل في مشاريع وبعض اخر التحق بوظائف مسائية ... لكن انا كنت غافل ومركز على شغلي اقوم اصبح بدري مع الاولاد البس ملابسي والتي كما ذكرت من قبل بعد حوار قصير مع ام العيال بنطلون سناء مع قميص سوسن وجزمة عادل اخوانا المغتربين ربنا يعطيهم العافية .. وبعد ساعة ياتي بص المصلحة ياخذني للدوام ( زي ما بتقولوا انتو المغتربين ) الساعة اتنين ارجع بنفس البص حامل معي الجرايد وكيس الخبز وفواكه بعض المرات لا تتجاوز الموز والبطيخ ... بعد نومة العصر بعد المغرب اطلع النادي العب الكتشينة مع الشلة وارجع بعد صلاة العشاء اتعشى مع العيال ولو في سهره معتبره في التلفزيون نحضرها وننام .. والصباح نبدا دورة جديدة ... حياة كانت سهلة وبسيطة ولا كان عندنا طموح غيرها .. ورغما عن ذلك ما تركوها لينا .. لاكنا طمعانين في منصب ولا حاسدين احد على ماله او رزقه .. وسكت
قررت انا احرك الحوار بعد ان شعرت انه سكونه زاد ويبدوا انه دخل في النفق المظلم الذي لا يريد تكراره او تذكره .. تحس من كلامه وعبراته انه لا زال تخنقه عبرة ظلم المت به .. وانا ما اردت ان اكون شخص سادي واضغط على جرحه ...
قلت : خلاص كفى هنا يا ابو عماد هو انت راح تتكلم لوحدك ما تعطينا معاك فرصة .. هو نظر الي بابتسامه ويبدو عليه من فرط ذكائه عرف اني قررت ان يؤجل حكاية النفق المظلم والمرارة ليوم ثاني .... ولكن قبل ما اتحدث انا فجاه انتبهنا الى ان المظلة اكتظت بالطلاب والموظفين ونحن اندمجنا في الحديث دون ان ننتبه ..
قال هو ياااه سرحنا طيب يا ابو محمد نواصل بكره ....شكرته انا وودعته ورحت ناحية بيتنا اخذت كرسي البلاستيك من تحت الشجره بعد ان فارقه الظل قبل ساعات وكادت الشمس ان تذيبه ..
في اليوم الثالث
اصبحت انا عندي ساعات الصباح اهم من ساعات المساء في حين كان هدفي الاول اني اعدي ساعات الصباح ومن ثم في المساء يكون برنامج الاجازة مع الاصدقاء والاهل في الزيارات والفسح .... لكن اصبحت اعدي ساعات المساء سارحا مع الناس في قضية ابو العماد ومتشوقا لللصباح لاسمع المزيد ....
لذلك صباح اليوم الثالث حسيت انه هو سبقني وبكر على غير العادة .. وقفت في الباب قبل ما ينصرف اولاد المدارس وجدته جالس في المظله ... رفع يده مسلما عليه وانا كذبلك رفعت يدي ...وهو يعرف اني انتظر انصراف التلاميز .. وفعلا حوالي الساعة الثامنة توجهت ناحيته .. وسلمت عليه وجلست .. ,بدون مقدمات بدا هو يسترسل حاكيا باقي قصته دون ان اطلب منه ذلك ... يبدو انه وجد راحة في الحكي .. لان كبت الغبن يسبب كثير من الامراض ... لذلك معظم الناس يمرضوا عندما لا يجدوا شخص يفضفضوا معه عن همومهم .. وخاصة الناس الذينن ليست لديهم قدره او درايه او رغبه في الكتابة ... لانه اذا لم تجد من تفضفض معه الجا الى الكتابه ففيها متنفس وحجامه للنفس من الكبت ..
قال ابو عماد :
استمريت في وظيفتي .... وجاء ظاهرة الصالح العام الدفعة الاولى فصل فيها كثير من الزملاء .. حقيقة انا كنت مستبعد نفسي خالص من هذا الموضوع لاني اولا موظف مواظب في عملي وثانيا اتجنب الحديث في السياسة جدا .. لذلك الحكومة لا هي متضرره مني ولا هي متعشمه فيني اكثر من وظيفتي التي اؤديها على اكمل وجه ... غير مر انه المدير العام طلب مني شغلانه حقيقة هي تحتاج لوقت ... ولكن قبل ما اخلص منها جا هاجمني في المكتب ... ووصفني باني بطئ ومتسيب .. وانا طبعا ما سكت لاني هي هذه الاشياء التي اتفاداها طيلة حياتي لا ا ريد ان تلتصق الصفات السالبه باسمي ... رديت له وقلت انت لو كنت شخص فاهم كان عرفت انه هذا التقرير يحتاج لست ساعات على الاقل ... يبدو انه عبارة لو كنت فاهم استفذته مره واحدة لانه وقف حدق فيني فترة طويلة وخرج .......
الشهر التالي اتفاجا انه المراسلة يحمل لي رسالة .. عليك مراجعة شئون الموظفين لتسوية مستحقاتك بدءا من اول الشهر بعد ان تم فصلك من الخدمة .... قرات الرسالة وشعرت كانه الدنيا دارت من حولي .. وخرجت .. في حالة اعياء .. ورحت البيت ... ام عماد خففت علي الصدمه وواستني لكن اقترحت بانه لانجيب سيرة للاطفال مراعاة لحالتهم النفسية .. ومن يومها انا اطلع في نفس مواعيد عملي معهم من الصباح .. اركب المواصلات كالعادة وانزل هنا في هذا الحي واقضي ساعات الدوام وارجع البيت الساعة اثنين ..يعني ما تفتكر انه انا ساكن هنا قريب في هذا الحي .
قلت :طيب عايشين كيف ؟؟؟ ما هو مصدر دخلكم 
قال : بعد ان صرفت مستحقاتي اشتريت بجزء منها حافلة مواصلات عامة وهي تعمل في نفس هذا الخط .. لهذا السبب انا اخترت هذا الحي حتى اطمن نفسي باني اراغب الحافلة ..
قلت : طيب لماذا لاتقود الحافلة انت بنفسك ؟ فهو عمل شريف على كل حال ..
قال : انت فاكر انا بترفع على قيادة الحافلة .... انا اساسا لا اعرف اسوق سيارة ولا عندي رخصة قيادة ..
قلت : هل دخل الحافلة كافي لاعاشتكم ...
قال : لا لكن انا ايضا ورثت بيتا ودكان في السوق وهم مؤجرات ..
قلت : طيب ما دام عندك دكان في السوق لماذا لم تفكر تعمل بالتجارة وتفتح الدكان ؟؟؟
قال : وهل التجاره هي راس مال ودكان فقط .... التجاره حياة متكاملة زمدرسة .. وانا عمري ما بعت شئ طيلة حياتي اشتري فقط عايش كموظف مستهلك ... وهي دي مشكلتكم انتو المغتربين ... يرجع الواحد معه مليون ريال ويقرر انه يستغر في السودان ويعمل في التجاره لانكم تعتقدون ان التجاره راس مال ليس الا .. تجد الواحد منكم بعد سنة خلص المبلغ الذي ظل يجمعه عشرات السنين ولا يدري اين .. ويحاول يتسلف ثمن الفيزا ليرجع الغربه ويبدا من جديد ..
بصراحة عندما وصل لهذه النقطة بلعت ريقي لاني اعتقد ان كلامه واقعي جدا .. ناس كثيرين يعتقدون ان التجاره هي في الاساس راس مال ومن ثم الفلوس هي التي تولد بعضها البعض ..
قلت : طيب ياابو عماد لماذا لم تفكر تغترب ,,
قال : لي مين قال لك ما فكرت اغترب وهذه لوحجها قصة طويلة ..
قلت يا ابو عماد .. ما تجي معاي نتحول لظل النيمة نجلس في الكراسي ونطلب من محمج تعمل لينا شاي ؟؟؟؟؟
قال : لا لا لا يا ابومحمد ارجوك ...انا مش عاوز اكون عبئ على احد . بعدين انا لي ثلاثة شهور بداوم في هذه المظلة وانت جاي اجازة شهر ويمكن نصها انقضى ما عاوزك تخرب لي برنامجي ..
قلت : تفتكر انا ساترك برنامجك يستمر بهذه الصورة السلبية لازم نجد حل ىخر قبل ما انا اسافر .. تعال نفكر مع بعض في حلول .. وانت لا تكون شخص يائس واي مشكلة عندها حل .... تعال اليوم نغير من قعدة البلاط هذه للكراسي ونغير المكان يمكن تتغير اشياء اخرى ...
اخيرا قتنع وتحرك معي الى ضل الشجره بعد ان قضينا حوالي ساعتين في المظلة ... ليحكي لي قصته مع الاغتراب ...
تحت شجرة النيم
ناديت على ولدي محمد احضر كرسي ثاني وجك ماء بارد وجلسنا ليحكي هو ما حدث معه بخصوص الاغتراب
قال ابو عماد :
زي ما حكيت لك انا اول ما قبضت مستحقاتي قسمت المبلغ لنصفين نصف اشتريت منه الحافلة حتى اضمن مصدر للمصاريف اليومية للبيت والنصف الثاني قررت اغترب منه .. وحولت المبلغ لاحد الاقارب المغتربين حتى يرسل لي تاشيرة عمل في دول الخليج . ببساطة هذا الموضوع قارب من الخمسة شهور منذ تاريخ ذلك اليوم الى الان اتصل عليه يسمعني دوامه انا ما فاهم منها اي شئ الكفيل في البر .. والكفيل في اوروبا ....كلام الغاز انا ما فاهم منه شئ و لا عارف من هو هذا الكفيل وعلاقتي به انا شخصيا ما عارفها شنو ... ملخص القول ان نصف حقوقي ضاعت بدون ما اغترب انا .. عشان كدا انا اعتقد انه كثير من المغتربين محتالين وعايشين سلفقه على ظهر امثالنا من المغلوب على امرهم ..
قلت تعرف يا ابو عماد انت مشكلتك الرئيسية والمسودة الدنيا في وشك هي انك انسان انطباعي وتعاني من الحكم المطلق ..
قال : عرفنا الحكم المحلي الحكم المطلق دا يطلع شنو ... وليه علاقه بالمفعول المطلق ..
ضحكت وقلت له انا سعيد بروح الدعابة التي رجعت لك ... لكن انا اقصد انه انت اتخذلت من مغترب واحد وحكمت على كل المغتربين بانهم نصابين ومحتالين .. احتكيت بمدير واحد تسبب في ظلمك وقفلت الباب في وجهك باعتبار انه لن تجد وظيفة في مكان اخر ابدا .... وانا اقول لك نحن عندنا اخوة مغتربين حدث معهم عكس ما حدث معك تماما ... وهو انه احدهم وكل قريبه او اخوه انه يكمل له بناء بيته وظل هو سنين يحول في الاموال والثاني يبلغه بمراحل وهمية .. نحن في مرحلة الصبة .. ونحن في مرحلة التشطيب حول ونحن في مرحلة الكهرباء حول .. وعندما نزل الاجازة وجد قطعة الارض خاليه كما تركها تماما واخوته مستمتعين بتحويلاته يلبسوا احسن لبس وياكلوا في افخم المطاعم ... وهو يعيش حياة تقشف حتى يوفر المبلغ و ينعم ببيت ..... ولو حدث معك هذا الشئ اكيد عقلك لن يكون سليم ... لكن رغما عن ذلك تجد هذا الاخ عاد من الاجازة بشكل عادي دون حنق او حقد على اخوانه .. وبدون ما يحكم على اهل السودان جميعا بانهم نصابين او حراميه وليبدا حياته من جديد بطريقة مختلفة .... او تكون انت شغال بالنظرية العسكرية الخطا التي تقول ان الشر يعم .. والخير يخص .
في هذه الاثناء قاربت الساعة من العاشره .. ووقف ابني محمد في الباب (ابوي قالوا ليكم ادخلوا للفطور ) ... الاحظ لصاحبي اجده انتفض كانه لسعته كهرباء ..
قائلا: لا لا لا لافطور شنو يا ابو محمد .... انت كدا زودتها .. وانا عارف الموضوع حا يجر انا ما بفطر معاك وانا فاطر . يعني انا كل يوم راح افطر معاك .
قلت : يا راجل روق شويه اهدا وماتكون زي الطفل يعني راح يجلدوك في البيت لو فطرت معانا ... وهي مره واحده وانا اقسم ليك تاني الا تجي منك .... 
قال ياخي انا شبعان وما عندي نفس ..
قلت : يا خي هي قراصة بخضره مفروكه عاملاها الحاجة الوالده بيدها .. وهي زمن طويل ما دخلت المطبخ .... اليوم دخلته عشانك ...
قال : لي وانت عندك قدرات عجيبة على الاقناع ... طيب ارح الخضره بالقراصة انتصرت وتسلم يد الوالده..
وفعلا فطرنا وشربنا الشاي وخرجنا عائدين الى كراسينا بعد ان حولناها مع تغيير مكان الظل ..
وقلت : تعرف يا ابو عماد في نقطة انت كان اثرتها من اول يوم التقينا فيه .. وهو كان ذكرت وقلت من يوم ماتركت وظيفتك .. انت بتلبس لبسك الرسمي وتخرج من البيت .... كما اتفقت انت وزوجتك حتى لا يتاثر اطفالكم عندما يعرفوا انك انفصلت من العمل ؟؟
قال : نعم مظبوط
قلت : تفتكر الخطوه هذه صحيحة 
قال : كيف اعني تقصد شنو .؟؟
قلت : اقصد هل تفتكر انه نحن افضل نكون صريحين مع اطفالنا ونعكس لهم واقعنا تماما ام نعيشهم في الوهم .. وخاصة انهم لو اكتشفوا هذا الوهم يوما سنصغر في نظرهم ..
قال : تفتكر الصاح كان مفروض يحصل شنو .
قلت : الصاح من اول يوم تركت فيه عملك كان ممكن تجمع اطفالكم الواعين منهم مثلا وتقول لهم انك تركت وظيفة الحكومة وانه بص المصلحة لان ياتي لياخذك مره ثانية .. وليس بالضروره تقول انك انفصلت من العمل لو شايف انه الكلمة كبيره في حقك وستقلل من شانك ... وصدقني ان الاطفال سيتجاوبون معك ويقبلون الامر اكثر ممن لو اكتشفوه لوحدهم من الشارع او من المدرسة من زملاؤهم ..
سكت ابو عماد فتره طويلة وهذا راسه ببطا يسارا ويمينا كانه يتحسر على شئ ..
قال : طيب يا ابو محمد ما في طريقه انه انا اعالج الموضوع دا مره تانية 
قلت : اكبر اولادك عماد صاح عمره كم سنة 
قال : عماد عمره ستاشر سنة وفي اولى ثانوي .
قلت : خلاص بعد ما ترجع من هنا خذ عماد في الصالون لوحده واشرح له الموضوع كاملا ... ولاتنسى انه انت في مرحلة معالجة خطا وانه اخفاء الحقائق لم يعد له مكانا ..
قال : تقصد شنو ؟؟
قلت : عماد لازم يعرف انه انت انفصلت من العمل يعني ما تركته انت من نفسك ... وانك انت بتخرج كل يوم وتقضي ساعات اليوم في محطة النخلة بحي السلام وترجع الساعة اتنين مع الموظفين ...
قال : خلاص انا اليوم احاول استدرك الموضوع دا وبوريك النتيجة .... يالا مع السلامه ... وفعلا تحرك ابو عماد نحو المظلة منتظرا حافلته التي وصلت وركب ملوحا لي الى يوم الغد
ليوم التالي 
لم انتبه انا الى الايوم التالي انه كان يوم جمعة ونحن في الاجازة تفلت منا حتى ايام الاسبوع .. لم اركز الا عندما وجدت اخوتي الموظفين منهم والطلاب ظلوا نايمين ... وقبل ما تفلت مني اي كلمة او سؤال يفضح توهاني عرفت لنه اليوم هو يوم الجمعة ...لكن قضيت ذلك اليوم في قلق وتوتر ناظرا الى ساعتي مستعجلا مروره ,,, اكيد لو عرف اخوتي رغبتي الملحة في انقضاء يوم الجمعة ربما طردوني من البيت ... انقضى يوم الجمعة بعد ذهبنا ان الى الصلاة ،وجلستنا في مائدة الغداء التي تجمعنا كلنا مع الوالدين كواحدة من اجمل التراثيات في حياتنا والذكريات التي تصبغ في الذاكره ...
في يوم السبت من الصباح قبل الثامنة اخرجت كرسي واخذت معي جهاز الراديو ربما يفلح في ازالة التوتر ... وانا لا ادري لماذا انا متوتر .. هل لاني نصحت ابو عماد بمصارحة ابنائه ... وهل توقع رد فعل سلبي للموضوع ... هل سيدخل في خلاف جديد مع زوجته بسببي .... وانا منشغل بظبط موجات الراديو اشعر بصوت سياره وقفت امامي .. وجدته هو ابو عماد بحافلته يقودها السائق ومعه اطفاله ...
نزل مصافحا لي في حراره ومعرفني باطفاله اكبرهم عماد ثم حسام ثم خالد ... وقال : يالا يا ابو محمد ادخل غير هدومك وارح معانا ونادي محمد بالمره يروح معانا .؟؟؟
سالت : نروح فين واليوم اولادك ما عندهم مدرسة ؟؟؟
قال : مدرسة شنو اليوم السبت يا راجل اصحى عايزين نروح نفسح العيال وعازمنكم معانا هات محمد واخوانه ..
قلت : يا راجل انت مش قلت ما عاوز تصاحبني ومش عاوزني اشوفك في مكان غير المظلة دي .. يلا ارح نقيل في المظلة ..
ضربني في كتفي مازحا بعبارته الشهيرة : يا راجل ما تملانا فقر امشي غير وتعال..
بصراحة فعلا انا كنت غير جادي في عدم الذهاب معه .. ليس حبا في الفسحة لكن تقتلني الرغبه لمعرفة ما حدث معه ....
وفعلا اجتمعنا مع اطفالنا في يوم جميل اخذنا فيه الاطفال الى حديقه عامه جلسوا يمرحون ويستمتعون بيومهم بينما جلسنا نحن على كنبه تحت ظل شجرة اللبخ مستانفين حوارنا الذي انقطع بمرور يوم الجمعة ..
وبالتاكيد اول سؤال بدر الى ذهني..
قلت : كيف تصرفت مع ولدك عماد بخصوص الصراحة؟؟؟
قال : اليوم هذا الفرح والحبور هو احتفلا بتيجة هذه الصراحة ولانك انت صاحب فضل انا قررت انك تشاركنا فرحتنا .
قلت : كيف ؟؟؟ انا ما فاهم ؟؟؟؟
قال : انا جاييك ما تستعجل ..
في الحديقة 
انطلق الاطفال فرحين ومستمتعين بهذا اليوم وجلسنا انا وصاحبي مستمتعين بالجو وبالحوار وصاحبي الذي بدا يستسلم لهذه المصاحبة التي من الواضح انه انا انتزعتها منه انتزاعا .... وخلصت الى نتيجة ... نحن نتعلق بنوعين من البشر شخص تحس بانك تحتاجه بشده وانا اعتقد كذلك شخص تعتقد بانه يحتاجك بشده ... ربما هذا ما يفسر تعلق الام باطفالها ... هي تتعلق بهم لانهم هم من يحتاجون اليها وليس العكس .... تجد ام توفى زوجها وترك لها اطفالا اشد حرصا على اطفالها من اي ام اخرى .... هذه الفطره العجيبة التي غرزها الخالق في البشر ساهمت في حفظ نوعنا من الانقراض ...طبعا هذه الهواجس دارت في ذهني عندما ذهب ابو عماد ليركب طفله الصغير في المرجيحة وعاد الي .
وابتدرته سائلا : ما قلت لي ما ذا دار بينك وبين عماد؟؟
قال : ادخلت عماد الى الصالون وقفلت علينا الباب بعد ان عدت منك يوم الخميس وقلت له يا عماد انا عاوز اصارحك .. وقلت اولا انا فصلت من وظيفتي بالحكومة .... واشتريت الحافلة .. وانا كل يوم بطلع من الصباح .... وقبل ما اكمل فاجاني : قائلا يا ابوي انا عارف.. وعارفك بتروح تقعد في مظلة محطة النخلة بحي السلام وكم مره انا جيت راكب المواصلات وشايفك جالس تدخن في السجاره ومرات تؤشر وتكلم نفسك .... وانا يا ابوي كنت عاوز اسالك من كم شهر ... ليه انت بتعمل كدا ..... وعاوز اقول ليك ما نرجع نفتح دكان جدي في السوق .... بس لانك انت ما كلمتني بحكاية فصلك من العمل دي .. خفت اسالك تشاكلني او تضربني ....
طبعا انا اتخرصت وما قدرت اضيف اي جملة لكلام عماد وسكت فتره طويلة .. واتضح انه عماد كان عارف وشافني متسكع في المظلة وخايف يسالني ... وقلت ليه كيف عرفت .... قال انت ناسي انه صاحبي حسام ابوه زميلكم في العمل انا من تاني يوم كنت عارف ... وفي الاول لمن كنت تلبس وتخرج افتكرتك حولت لوظيفة تانية ... بعد داك انا اتعبرت وطلبت من عماد انه يخرج ويسيبني لوحيد .. وقفلت الصالون علي وبكيت بشده حتى شعرت اني غسلت كل الرماد داخل نفسي . وبعد داك نمت بعمق شديد .. وزمن طويل ما نمت بهذا العمق وصحيت بروح مختلفه ... وناديت ام عماد وحكيت لها بكل هذه الاحداث .. وحجم الغلطة التي وقعنا فيها ... وبكت هي ايضا بدورها .. وبعد ما فاقت ...نادينا عماد .. وبدانا نتناقش في المرحلة القادمه بكل صراحة وما هي الحلول ... وطرحنا فكرة عماد التي اصر عليها وهي فتح دكان الوالد في السوق ... ومنطقه كان قوي ... وقال يا ابوي انت ليه تعتقد التجاره تحتاج لخبره ... المساله في النهاية مسالة ارزاق ويا ما في السوق ناس ما يعرفوا يكتبوا اسمائهم ورغما عن ذلك هم اغنياء والاموال تدفق عليهم من تجارتهم تفتكر هؤلاء رزقهم جاي من خبره او شطاره ولا فيهم واحد اشطر منك ... كلام ولدي عماد اعاد لي الثقة في نفسي .. واشكرك لانك جعلتني اكتشف ابني لاول مره ....وسكت مره ثانية ويبدوا انه العبره خنقته واراد البكاء .. مما جعلني اقوم حتى لا يحرج وانشغل انا بمرجحة الاطفال الصغار ايضا .
بعد ما استعاد ابو عماد انفاسه رجعت انا وجلست قربه لنستانف حوارنا وبادرته بسؤال 
قلت : نفهم من كدا يا ابو عماد بانك اقتنعت بمبدا التجاره من نقاشك مع عماد وامه وسترجع لتفتح دكان والدكم في السوق؟؟
قال تعرف يا ابو محمد انا لسع متردد ومتخوف وافكر افرض ما في شخص جاء واشترى مني بضاعة ؟؟؟
قلت : هذا هو الفرق بيننا وبين ىالتجار تعرف لو فكر اي تاجر مثل تفكيرك دا مهنة التجارة ستنعدم ... بل اكثر من كده تجد مثلا رجل اعمال عنده شركة فيها الاف الموظفين ....هل ممكن يفكر لو انه ما باع شئ من اين سياتي برواتب ومستحقات هؤلاء الموظفين ... لذلك قال المثل القديم يفوذ باللذات كل مغامر .... التجاره فعلا اولا تحتااج لشخص له قدره هائلة على تحمل المخاطر وهذا الشئ ممكن يتوجد عند الشخص المؤمن بالله ولا يحتاج الى تدريب او دراسه .
قال : طيب ما هي التجاره المناسبه وممكن انا انجح فيها انى حتى ما عندي خيارت ...
قلت : دعك من خيارات التجاره الان ... نحن اولا يجب ان نزيل هواجسك من التجاره نفسها ... وانا لا اخفي عليك حتى قبل نقاشك مع ابنك عماد كنت اعتقد ان التجاره لايمكن ان يتعلمها الانسان وهو كبير في العمر لا بد ان تنشا وتتربى في السوق منذ الصغر ... لكن نقاشك مع ابنك عماد ربنا يحفظه لك اعاد الصواب لتفكيري .. وفعلا السوق فيه تجار ربما لا يعرف احدهم يستخدم ابسط شئ الالة الحاسبة ورغما عن ذلك تجد ثرواتهم في تضخم مطرد بمجهود بسيط منهم ....
قال :ذكرني قصة قراتها في احد الكتب القديمة وهو قيل ان احد من المشايخ الذي بلغ علمه الافاق كان فقير جدا وبينما هو يسير في الطريق تعب من المشي قابله رجل ... يقود قطيع من الحمير ويمشي خلفها على رجليه ...هو ساله متعجبا ... لمن هذه الحمير يا اخ العرب ... قال هي لي وقال له لماذا لا تركب على احدها بدلا من السير المتعب .. قال الرجل اذا ركبت احدها حسبتها ووجدتها تسعة وثلاثون واذا سرت على اقدامي صارت اربعون .. قلت افضل اسير واكسب حمار .. تعجب الشيخ وقال لو ربط الله رزق الانسان بعقله وعلمه لكنت انا اولى بهذه الحمير من هذا الرجل الجاهل ....
قلت له : ... انت الان جئت في المعلوم انت جيت في المشروع الانا واضعه في راسي تعرف ما هو المشروع ما رايك تفتح مكتبه متخصصة في بيع وشراء الكتب المستعمله ...
رد هو باستغراب ؟؟؟؟ الكتب المستعمله ؟؟؟ اشمعنى المستعمله ..
قلت : لها عدة مزايا .. اولا مكتبات الكتب المستعمله هذه ليس لها مثيل في السودان وانا شاهدتها في الرياض وانا اخي الاكبر كنا من زبائنها الدائمين .... لانها تتيح لك شراء اقيم الكتب بابخس الاثمان 
بالنسبة لك ستكون مشروع ممتع لان كل الكتب الجميلة والقيمة ستكون تحت يدك ...
قال : لكن من اين اشتري الكتب المستعمله ..
قلت : المشروع في البداية سنبدا بانك تستورد الكتب المستعمله من الرياض وانا ممكن اساعدك في البداية بحيث اساعدك في الاستيراد من السعودية... لكن بعد ذلك المشروع سيغذي نفسه بنفسه ... لانك ستشتري الكتب المستعمله من اناس محتاجين لاثمانها في ظروفهم الاخرى وتبيعها بسعر معقول لاناس شبعانين ومتعطشين للمعرفه .... 
خلينا نمشي الان وفكر انت في المشروع واذا اقتنعت يوم الاحد غدا تعال ندرس طريقة التنفيذ ..
مواصلة للحوار
بعد الحوار والمشروع المقترح مني لابو عماد ... سرح هو سرحة طويلة وبادرني .. قائلا : تعرف يا ابو محمد فكرة المشروع ممتازة ... وانا اكثر شخص حيكون سعيد بالمشروع ... لاحظ انت ربما تكون جالس وسط اقيم الكتب التي عرفتها البشرية ... حتى لو ما بعت لن تكن عائش في حالة قلق .. لانها اولا ليست بضاعة تخشى كسادها .... الكتب لاتتلف من التخزين وليس لها تاريخ صلاحية .. ولن تخلق لك احتكاك بمفتشي الصحة ...
قلت : وانت استنبطت فوائد اخرى لم تكن تخطر على البالي عندما اخترعت عليك المشروع ... وقلت : تعرف انه مكتبات الكتاب المستعمل تختلف عن مكتبات الكتب الجديدة في اشياء كثيرة تعرف ما هي ؟؟؟
قال : المكتبات الجديدة تبيع الكتب الجديدة ومكتبات الكتب المستعملة تبيع الكتب المستعملة ..
قلت : هذا شئ بديهي وانا لم اقصد هذا بالفرق ... لكن مكتبات الكتب المستعملة يكون تصميمها مثل مكتبات الجامعات او المكتبات العامة ... بمعنى انه يتم تصنيف الكتب على اساس علمي عالمي ... له نخصص يدرسه طلاب المكتبات بكليات الاداب .. وحسب فكرتي المبسطة عن هذا النظام .... اولا شكل الرفوف لن تكون في شكل المتجر بمعنى رفوف لاصقة بجدران الدكان وحولها بنوك ... بل يجب ان ترص الرفوف في خطوط طولية بحجم الدكان ... بعد ذلك يبدا رص الكتب من اقصى اليمين بادئا بالدراسات الانسانية ... ثم الدراسات الاجتماعية ثم علم الاجتماع بعدهم القانون يليه ربما التاريخ و الاقتصاد ثم العلوم الادارية ثم المحاسبة ... ثم بعد ذلك تدخل في العلوم الطبيعية ...هذا التصنيف عالمي وليس مزاجي .. الغرض منه حتى لو اراد شخص مهما كان جنسيته او لغته يريد ان يسال عن كتب مجال معين فهو يتوجه نحوها دون ان يستشير العاملين او الموظفين .... الا اذا كان يسال عن مؤلف بعينه فهو كسبا للوقت ربما يسال عنه ..
نظر ابو عماد مندهشا لحظة وقال اول مره اعرف ان رصة الكتب في المكتبات هي نظام عالمي ومن زمان اعرف انه بعض الناس يدرسون علوم المكتبات لكن ما حصل سالت احدهم او سالت نفسي ماذا يدرسون تحديدا ..
قلت :: ولا انا اعرف ماذا يدرسون تحديدا لكن اعرف انه جزء من تخصصهم هو التصنيف العالمي للمكتبات وقد حظيت مره من المرات وانا طالب بالجامعة ان سالت امين المكتبه وشرح لي الامر ،،، بعد ذلك في اي مكان ذهبت اليه وجدت التصنيف فعلا مثل ما هو ذكر لي تماما .. ومن يومها انا اتعودت ان اروح ناحية الكتب التي اريدها دون ان اسال اي موظف في المكتبات العامة عن مكان الكتب المعينة سوى كانت في التاريخ او الاقتصاد او الدراسات الاسلامية ...
قال ابو عماد : اذا المسالة ليست سهلة وهي اتعقدت بدءا من رص الكتب .... 
قلت: لاتتشائم انا قصدت انه الامر من البداية يجب ان يكون صحيحا وعلى اساس علمي حتى لاتبدا عشوائيا وتتردم الكتب عندك وتتداخل في بعض ومن ثم لو سالك اي زبون عن كتاب معين انت بنفسك لن تكون عارف هل هو موجود ام لا .. ,ومن الممكن ان نستعين بموظف متخصص مكتبات بدوام مسائي يقوم بتصنيف الكتب والاعانة على رصها في الرفوف حسب التصنيف العالمي .. بعد ذلك سيكون الامر سهلا لك عندما يكون الاساس صحيح و ثابت ..
قال : تعرف يا ابو محمد انت شوقتني للمشروع وانا من الصباح سابدا في التنفيذ ... بس لو سمحت ما ممكن تساعدني فقط في البداية ..
قلت : ما عندي مانع وانا اصلا اجازتي بقى فيها عشرة ايام دعنا ننجز فيها شئ ونجعل لاجازتنا قيمة بدلا ما هي ضائعة في ظل الشجر والمظلة ..
قال : خلاص نتحرك الان استعداد ليوم الغد .. وانا سامرك من الصباح الساعة الثامنة.. نذهب نشوف الدكان ونتفق مع النجار ونرسم له شكل التخشيبة والرفوف ..
قلت : ما في مانع يلا بينا نتحرك ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق